للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

* المسألة الثانية * معنى القاعدة

المتأمل في آيات القرآن الكريم ونصوص الشرع عمومًا يظهر له صحة هذه القاعدة؛ لأن ذكر أهل العلم لها إنما كان عن استقراء لنصوص الشرع وآيات القرآن المجيد التي جاء فيها ذكر الدعاء، والقاعدة أفادت بأن مجيء الأمر من الله تعالى بدعائه سبحانه وحده، والنهي عن دعاء أحد سواه يتناول كلا نوعي الدعاء؛ دعاء العبادة ودعاء المسألة.

وعليه فجميع ما ورد في القرآن من الأمر بدعاء الله وحده، أو النهي عن دعاء غيره يصح تفسيره بدعاء العبادة ودعاء المسألة في آن واحد؛ وذلك لكون كلا النوعين عبادة لله تعالى، والعبادة يحبها الله تعالى ويأمر بها، وينهى أن تصرف لغيره سبحانه، وعليه فإذا جاء الأمر بدعاء الله وحده، أو النهي عن دعاء غيره لا يمكن حمله على نوع دون الآخر؛ لأن كلا النوعين مما أحبه ورضيه سبحانه وتعالى، وأمر بأن يصرف له وحده، وكلاهما مما نهى عن صرفه لغيره سبحانه، ولذا فالواجب صرف الدعاء كله لله تعالى، وعدم صرف شيء منه لأحد دونه؛ سواء كان دعاء عبادة أو دعاء مسألة (١).

يقول الإمام ابن تيمية: "وهذان هما نوعا الدعاء كما تقدم، وهما جميعًا مختصان بالله، حقَّان له لا يصلحان لغيره، بل دعاء غيره بأحد النوعين شرك كما قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (١٨) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (١٩) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (٢٠)} [الجن: ١٨ - ٢٠]، وقال تعالى: {فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ (٢١٣)} [الشعراء: ٢١٣]، وقال تعالى: {دُعَاؤُكُمْ}


(١) انظر: مجموع الفتاوى (١/ ٦٩).