ولا شك أن بركة الله تعالى بركة تليق بذاته الكريمة، وقد تضمنت جميع الكمالات على الإطلاق، بخلاف بركة المخلوق فهي مخلوقة بجعل الله له (مُبَارَكًا)، وهي تناسب ضعفه ونقصه.
وما دام أن أصل البركة من الله تعالى، وليس باستطاعة بشر أن يكون واهبًا لشيء منها، وإنما جميع البشر هم موضع تنزل البركة من معطيها وواهبها سُبَحانهُ وتَعَالى، وعليه فالواجب أن لا ترجى هذه البركة إلا منه سُبَحانهُ وتَعَالى، وأن لا تلتمس إلا بما شرع الله عزَّ وجلَّ، فلا تطلب إلا ممن ثبتت بركته عن الشارع على وفق الكيفية الواردة في الشرع، وتوفر الشروط، وسيأتي بيان ذلك قريبًا، والله أعلم.
* المسألة الثالثة * أدلة القاعدة
دلَّ على صحة هذه القاعدة أدلة كثيرة، ومنها:
أولًا: النصوص الدالة على اتصاف الله تعالى بأنه (تبارك)؛ أي: ذو بركة في ذاته وأسمائه وصفاته، وأفعاله، فمن ذلك قوله تعالى:{تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ}[الأعراف: ٥٤]، وقال عزَّ وجلَّ: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (١)} [الفرقان: ١]، وقال سبحانه: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (٦١)} [الفرقان: ٦١]، وقال تعالى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (٧٨)} [الرحمن: ٧٨]، وقال سبحانه: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١)} [الملك: ١].
فوصف نفسه تعالى بالتبارك من البركة، وهذه البركة في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله. وقد مرَّ فيما سبق أقوال العلماء في بيان معنى (تبارك) وأنها صفته عزَّ وجلَّ.