للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يؤيد ذلك ما ثبت في السُّنَّة من أن المصلي يستقبل بأطراف أصابعه القبلة في حال سجوده (١).

يقول الشيخ ابن عاشور في معنى قوله تعالى: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ}: "وجملة (إنّي وجَّهْت وَجْهِي) بمنزلة بدل الاشتمال من جملة (إنّي بريء ممّا تشركون)؛ لأنّ البراءة من الإشراك تشتمل على توجيه الوجه إلى الله، وهو إفراده بالعبادة. والوجه في قوله: (وجهي)، و (وجّهت) مشتقّ من الجهة والوجهة؛ أي: صرفته إلى جهة؛ أي: جعلت كذا جهة له يقصدها. يقال: وجَّهه فتوجّه إلى كذا إذا ذهب إليه. ويقال للمكان المقصود: وِجْهَة بكسر الواو، وكأنَّهم صاغوه على زنة الهيئة من الوَجه؛ لأنّ القاصد إلى مكان يقصده من نحو وجهه، وفعلوه على زنة الفعلة بكسر الفاء؛ لأنّ قاصد المكان بوجهه تَحْصُل هيئة في وجهه وهي هيئة العزم وتحديقُ النظر؛ فمعنى: (وجَّهت وجهي): صرفتُه وأدرته. وهذا تمثيل: شبّهت حالة إعراضه عن الأصنام وقصده إلى إفراد الله تعالى بالعبادة، بمن استقبل بوجهه شيئًا وقصده وانصرف عن غيره" (٢).

والمعنى المقصود الأساس في القاعدة هو الثاني، ولكن كما سبق فإن توجه الوجه يفتقر إلى توجه القلب؛ وإلا صار توجهًا ظاهريًا لا فائدة منه ولا ثمرة له، ولا يعتبر مقبولًا عند الله تبارك وتعالى؛ إذ ليس في الشرع ظاهر بدون باطن.


(١) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب صفة الصلاة، باب سُنة الجلوس في التشهد (١/ ٢٨٤) برقم (٧٩٣)، كما أن من السُّنَّة أيضًا توجيه أصابع اليدين إلى جهة القبلة أثناء السجود، فقد جاء في حديث أبي حميد الساعدي -رضي الله عنه- في وصفه لصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- وفيه: (واستقبل بأطراف أصابعه القبلة). [صحيح ابن خزيمة (١/ ٣٢٤) برقم (٦٤٣)].
(٢) تفسير التحرير والتنوير (٧/ ٣٢٣).