للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأمرين لها، وامتنع أن تكون نسبة الإسلام وسائر الملل إلى الفطرة واحدة؛ سواء كانت نسبة قدرة أو نسبة قبول.

وإذا لزم أن يكون في الفطرة مرجح للحنيفية التي أصلها معرفة الصانع، ومحبته، وإخلاص الدين له؛ فإما أن يكون مع ذلك لا يوجد مقتضاها إلا بسبب منفصل؛ مثل من يعلمه ويدعوه، أو يمكن وجود ذلك بدون هذا السبب المنفصل، فإن كان الأول لزم أن يكون موجَبها متوفقًا على مخاطب منفصل دائمًا فلا يحصل بدونه البتة، ثم القول في حصول موجَبها لذلك المخاطب المنفصل كالقول في الأول، وحينئذٍ فيلزم التسلسل في المخاطبين، ووجود مخاطبين لا يتناهون، وهم أيضًا مخاطبون، وهذا تسلسل في الفاعلين وهو ممتنع.

وإن كان في المخاطبين من حصل له بموجب الفطرة بلا مخاطب منفصل دل على إمكان ذلك في الفطرة، فبطل هذا التقدير وهو كون موجب الفطرة لا يحصل قط إلا لمخاطب منفصل، وإذا أمكن حصول موجب الفطرة بدون مخاطب منفصل علم أن في الفطرة قوة تقتضي ذلك، وأن ذلك ليس موقوفًا على مخاطب منفصل، لكن قد يكون لذلك المقتضي معارض مانع، وهذا هو الفطرة.

وهذا الدليل يقتضي أنه لا بد في الفطر ما يكون مستغنيًا عن مخاطب منفصل في حصول موجَب الفطرة، لكن لا يقتضي أن كل واحد كذلك، لكن إذا عرف أن ما جاز على أحد الإنسانين يجوز على الآخر لتماثلهما في النوع أمكن ذلك في حق كل شخص وهو المطلوب" (١).

ويقول أيضًا: "وإذا كان كذلك؛ علم أن في النفوس قوة تقتضي العلم والإرادة؛ يبين ذلك أن ذلك المرجح إذا حصل من خارج فمعلوم


(١) درء التعارض (٨/ ٤٥٨ - ٤٦٠)، وقرر مثله ابن القيم. انظر: شفاء العليل (ص ٣٣٠ - ٣٠٢).