للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذه الآثار والمقتضيات للفطرة لازمة لها لا تنفك عنها ما دامت سليمة على خلقتها الأولى؛ فإن موجَبَ الشيءِ لا يتخلف عنه البتة.

يقول الإمام ابن تيمية: "ولكنَّ فطرته مُقْتَضِيَة، مُوْجِبَة لدين الإسلام، لمعرفته ومحبته، فنفس الفطرة تستلزم الإقرار بخالقه، ومحبته، وإخلاص الدين له، ومُوجَبَات الفِطْرَة وَمُقْتَضَاهَا تحل شيئًا بعد شيء، بحسب كمال الفطرة إذا سلمت عن المعارض" (١).

وهذه الفطرة مشتملة على قوة علمية وعملية تقتضي وجود وحصول موجَباتها ومقتضياتها كما سبق بيان ذلك، وهذه القوة هي جزء ماهيتها، بحيث تخلق معها، وتوجد بوجودها.

وقد بين الإمام ابن تيمية مدى ارتباط الفطرة السليمة بموجَباتها ومقتضياتها من الإسلام والإخلاص، فقال: "فعلم أن في فطرة الإنسان قوة تقتضي اعتقاد الحق، وإرادة النافع، وحينئذٍ فالإقرار بوجود الصانع ومعرفته والإيمان به هو الحق، أو نقيضه، والثاني معلوم الفساد قطعًا، فتعين الأول، وحينئذٍ فيجب أن يكون في الفطرة ما يقتضي معرفة الصانع، والإيمان به، وأيضًا فإنه مع الإقرار به إما أن تكون محبته أنفع للعبد، أو عدم محبته، والثاني معلوم الفساد، وإذا كان الأول أنفع له كان في فطرته محبة ما ينفعه.

وأيضًا فإنه إما أن تكون عبادته وحده لا شريك له أكمل للناس؛ علمًا وقصدًا، أو الإشراك به، والثاني معلوم الفساد، فوجب أن يكون في فطرته مقتض يقتضي توحيده.

وأيضًا فإما أن يكون دين الإسلام مع غيره من الأديان متماثلين، أو الإسلام مرجوحًا، أو راجحًا، والأول والثاني باطلان باتفاق المسلمين، وبأدلة كثيرة، فوجب أن يكون في الفطرة مقتض يقتضي خير


(١) درء التعارض (٨/ ٣٨٣).