للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول الشيخ السعدي: "في هذا أكبر دليل على أن معرفة ما أنزل اللَّه إلينا من أعظم ما يربي عقولنا، ويجعلها عقولًا تفهم الحقائق النافعة والضارة، وترجح هذه أعظم ما يربي عقولنا، ويجعلها عقولًا تفهم الحقائق النافعة والضارة، وترجح هذه على هذه، ولا تميل بها الأهواء، والأغراض، والخيالات، والخرافات الضارة، المفسدة للعقول" (١).

فالعقول قد أدركت بنفسها حسن الشريعة والتوحيد وقبح الشرك على وجه الإجمال، ثم جاء الشرع وكمل هذه العقول بأن نبهها وفصَّل لها قضايا التوحيد، وما يجب من حق اللَّه تعالى، وما لا يجوز في حقه من عبادة غيره أو التعلق بغيره جلَّ وعلا، فحرم تعاطي كل ما تنكره وتنفر منه العقول، وحررته من قيود الذلة والخضوع لغير الباري تبارك وتعالى، وجعلته عزيزًا مكرمًا، غير منساق خلف الخرافات والخزعبلات، فلا يخشى ولا يخاف إلا اللَّه، ولا يرجو غير مولاه، وبذلك يكون قد ترقى في أعلى درجات الكمال (٢).

يقول ابن القيم في بيان تكميل الشرع لهذه العقول: "وجاءت الرسل وأنزلت الكتب لتقرير ما استودع سبحانه في الفطر والعقول من ذلك، وتكميله، وتفصيله، وزيادته حسنًا إلى حسنه، فاتفقت شريعته وفطرته، وتطابقا، وتوافقا، وظهر أنهما من مشكاة واحدة، فعبدوه وأحبوه ومجدوه وحمدوه بداعي الفطرة، وداعي الشرع، وداعي العقل، فاجتمعت لهم الدواعي، ونادتهم من كل جهة ودعتهم إلى وليهم وإلههم" (٣).


(١) تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن (٨/ ٤٥١)، ملحق بآخر التفسير ضمن المجموعة الكاملة لمؤلفات الشيخ السعدي.
(٢) انظر: منهج السلف والمتكلمين في موافقة العقل للنقل، (١/ ٢٥٦)، وشرح الصدور ببيان بدع الجنائز والقبور (ص ٢٦)، ومنهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد (١/ ١٧٠).
(٣) مفتاح دار السعادة (٢/ ٨٨).