للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهكذا سار أفضل الخلق في دعوته الكبرى، وأثره الخالد في إصلاح أديان البشر، وشرائعهم، وأعمالهم، وأخلاقهم وفي إنقاذ الإنسانية العانية وتجديد دينها بدينه الجديد، الذي قلب به أوضاع الدنيا، ونقل بسببه العالم إلى طور سعيد، بل إلى الطور السعيد الذي لولاه لدام يتخبط في الظلمات، ولبات في عداد الأموات (١).

الثاني: كمال العقول (٢)، وقد كملها اللَّه بأمرين:

أحدهما: بما ركَّبه في طبيعة هذه العقول من هيئة تستحسن الشرع، وتميل إليه، وتستهجن كل ما يخالفه ويناقضه ويضاده، وتنفر عنه، لا سيما في أوجب الواجبات، فإنَّه لا أوجب في العقول من عبادة الرب وحده، ولا أقبح من صرف خالص حقه لغيره (٣).

الثاني: تكميله بالشرع الذي هو نور اللَّه في أرضه وعدله بين عباده، فجاءت نصوص الشرع حاضة على صرف العبادة لمستحقها وهو اللَّه جلَّ في علاه، وحرمت عليهم كل ما فيه تعلق أو صرف للقلوب بغير المولى، وصانهم عن كل ما فيه تدني وتذلل وتضرع لغير وجهه الكريم، وعن كل ما فيه إهانة وإهدار لقيمة هذا العقل الذي شرَّف اللَّه به البشرية، وميزهم به عن سائر الحيوان، فلا يستعملونه إلا في معرفة خالقهم والتقرب إليه بأنواع العبادات وصنوف الخضوع، وغاية المحبة والذلة، مع التعظيم والإجلال (٤).


(١) مناهل العرفان في علوم القرآن، للزرقاني (٢/ ٣١٠).
(٢) لا شكَّ أن العقل هو من أكبر النعم التي أنعم اللَّه بها على الإنسان، لأنَّهُ يستطيع به التمييز بين الحق والباطل، وبين الهدى والضلال، وبين الخير والشر، وبين النافع والضار، وبين الصالح والفاسد، فيستطيع به أن يعرف الدين الحق ويدين به، وأن ينتج الحضارة الصالحة المفيدة في الدنيا والآخرة. [انظر: مقال بعنوان: الدين والحضارة، بمجلة الجامعة الإسلامية عدد (٤١)].
(٣) انظر: مفتاح دار السعادة (٢/ ٨ - ٩).
(٤) انظر: تطهير المجتمعات من أرجاس الموبقات (ص ٥٦).