للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليها لكيلا تفسد وتختل، ويشمل ذلك جميع جزئيات الدين في أصوله وفروعه، ومن أعظم ما كمَّل اللَّه به أديان الخلق أن أوجب عليهم توحيده -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، وإفراده بالعبادة، وإخلاص الدين له، وصرف القلوب إلى التعلق بربها وفاطرها جل وعزَّ، وسد أمامها كل الطرق والسبل المؤدية إلى اختلال الأديان وفسادها.

يقول الإمام ابن القيم مبينًا مفهوم تكميل الدين: "وجماع الأمر في ذلك إنما هو بتكميل عبودية اللَّه في الظاهر والباطن، فتكون حركات نفسه وجسمه كلها في محبوبات اللَّه، وكمال عبودية العبد موافقته لربه في محبة ما أحبه، وبذل الجهد في فعله، وموافقته في كراهة ما كرهه، وبذل الجهد في تركه" (١).

فليس المراد بالتكميل هنا تكميله بالفضائل فحسب، وإنما المقصود إصلاح ما فسد من تلك الأديان المنحرفة عن الصراط المستقيم، والتي أصابها الخلل العظيم في عقيدتها وأخلاقها وسلوكها، ابتداء بتقرير التوحيد وإفراد اللَّه تعالى بالعبادة والتوجه والتعظيم، وعدم التعلق بالمخلوقات المربوبة الضعيفة، والانقياد لرسل اللَّه بالطاعة والتوقير، ومن ثم الدعوة إلى التحلي بالأخلاق الفاضلة والشيم الكريمة، والصفات الحميدة.

يقول الرازي في شأن العرب قبل البعثة النبوية: "كان دين العرب أرذل الأديان، وهو عبادة الأوثان، وأخلاقهم أرذل الأخلاق؛ وهو الغارة، والنهب، والقتل، وأكل الأطعمة الرديئة، ثم لما بعث اللَّه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - نقلهم اللَّه ببركة مقدمه من تلك الدرجة التي هي أخس الدرجات إلى أن صاروا أفضل الأمم؛ في العلم، والزهد، والعبادة، وعدم الالتفات إلى الدنيا وطياتها، ولا شكَّ أن فيه أعظم المنة (٢).


(١) طريق الهجرتين (ص ٣٣٤).
(٢) التفسير الكبير (٩/ ٦٥).