للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبيان المعنى وحده بدون دليله وهو اللفظ الدال عليه ممتنع، فعلم قطعًا أن المراد بيان اللفظ والمعنى، واللّه تعالى أنزل كتابه؛ ألفاظه ومعانيه، وأرسل رسوله ليبين اللفظ والمعنى، فكما أنا نقطع ونتيقن أنه بيَّن اللفظ فكذلك نقطع ونتيقن أنه بيَّن المعنى، بل كانت عنايته ببيان المعنى أشد من عنايته ببيان اللفظ وهذا هو الذي ينبغي، فإن المعنى هو المقصود وأما اللفظ فوسيلة إليه ودليل عليه، فكيف تكون عنايته بالوسيلة أهم من عنايته بالمقصود وكيف نتيقن بيانه للوسيلة ولا نتيقن بيانه للمقصود وهل هذا إلا من أبين المحال" (١).

فالقاعدة دلت على كمال بيان اللَّه تعالى لهذا الدين في كتابه، وعلى لسان رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم-، بما أوحاه اللَّه إليه من الوحي؛ وهذا البيان شامل لأصول الدين وفروعه وأقواله وأعماله، ويدخل في ذلك جميع شرائع الدين الظاهرة والباطنة، سواء كانت من الأمور العلمية الخبرية، أم كانت من الأمور العملية، فجميع ذلك قد تم بيانه، واكتمل إيضاحه على غاية الإتقان والبيان (٢).

ولا شكَّ أن أصول الدين وقواعد الإسلام هي من أكثر أمور الدين بيانًا ووضوحًا؛ وذلك لشدة الحاجة إليها.

يقول الإمام ابن تيمية: "فكل ما يحتاج الناس إلى معرفته، واعتقاده، والتصديق به من هذه المسائل فقد بيَّنه اللَّه ورسوله بيانًا شافيًا قاطعًا للعذر؛ إذ هذا من أعظم ما بلغه الرسول البلاغ المبين وبيَّنه للناس، وهو من أعظم ما أقام اللَّه به الحجة على عباده فيه بالرسل الذين بيَّنوه، وبلغوه، وكتاب اللَّه الذي نقل الصحابة تم التابعون عن الرسول لفظه ومعانيه، والحكمة التي هي سُنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي نقلوها أيضًا عن الرسول مشتملة من ذلك على


(١) الصواعق المرسلة (٢/ ٧٣٧ - ٧٣٨).
(٢) انظر: الجامع لأحكام القرآن (١٠/ ١٠٩)، وتفسير السعدي (ص ٢٣٩).