للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعليه يكون قصد مكان أو زمان لعبادة من العبادات بدون دليل شرعي من العمل المردود على صاحبه، وهو أيضًا من إحداث وتشريع دين لم يأذن به الله.

ثانيًا: وفي مقابل ذلك فقد جاءت النصوص الشرعية آمرة وحاثة على إقامة ذكر الله تعالى؛ من الصلاة والدعاء والاعتكاف، في المساجد التي هي بيوت الله تعالى، وعلى إقامة ذكره في مشاعر الحج، وهذا يدل على أن قصد مكان للعبادة غير ما حثَّ الله تعالى عباده عليه، وأمرهم بعمارته بالعبادة من الإحداث في الدين، ومن فعل ما يغضب رب العالمين؛ لأن في ذلك هجرًا لما أمر به ورغَّب فيه.

فمن ذلك قوله تعالى: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (٣٦)} [النور: ٣٦]، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "هي المساجد المخصوصة لله تعالى" (١). فبيوت الله التي هي المساجد هي التي أذن وقضى وأمر أن ترفع فتبنى وتعظم، ويذكر فيها اسمه سبحانه بالتسبيح والتقديس والتهليل، ولم يأمر سبحانه برفع المشاهد، أو القبور، أو تعظم الآثار النبوية الأرضية، ولا أمر بذكر اسمه فيها، ولا أمر بعبادته سبحانه عندها، وإنما خص بيوته سبحانه التي هي المساجد بما يليق بها من الذكر والتسبيح والصلاة (٢).

وأما غير ذلك من البيوت والأمكنة؛ كبيوت الأوثان، وبيوت النيران، وبيت الكواكب، وبيت المقابر، فلم يمدح الله شيئًا منها، ولم يذكر ذلك إلا في قصة من لعنهم النبي -صلي الله عليه وسلم-، قال الله تعالى: {قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (٢١)} [الكهف: ٢١] فهؤلاء الذين اتخذوا مسجدًا على أهل الكهف كانوا من النصارى الذين لعنهم


(١) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (٤/ ١٨٥).
(٢) انظر: التفسير الكبير (٢٤/ ٤).