للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِيًا وَنَصِيرًا (٣١)} [الفرقان: ٣١]، وقال - عز وجل -: {مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ (٤٣)} [فصلت: ٤٣]، وقد جاء في حديث ورقة بن نوفل عندما قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: "ليتني أكون حيًا إذ يخرجك قومك؛ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أو مخرجي هم؟ قال: نعم؛ لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا" (١).

وله -سبحانه وتعالى- في جعل هؤلاء الأعداء للحق الحكمة البالغة، والغاية العظيمة، ومن تلك الحكم أن وجود الباطل مقابل الحق من أعظم الطرق لظهور الحق وغلبته، وانتصاره، وقوته، وهيمنته على الباطل أجمع، فبظهور الباطل يظهر الحق ناصعًا وغالبًا، وعندها يعلم الله المجاهدين في سبيله والصابرين من أجل نصرة دينه وعلو شريعته.

وقد نصت القاعدة على أن أصل النزاع بين جميع الرسل وأقوامهم إنما كان في توحيد الرب تبارك وتعالى بالعبادة، وإفراده بجميع العبادات، وعدم صرف شيء من العبادة لغيره -سبحانه وتعالى-.

فالصراع الذي دام بين الأنبياء وأتباعهم وبين الأمم الكافرة على مدى تاريخ البشرية الغابر لم يكن في إثبات وجوده سبحانه، ولا كونه ربًّا خالقًا ومالكًا للعالم، فكل هذه المعاني في الجملة من المُسَلَّمَات التي كان يعتقدها أهل الكفر ويؤمنون بها (٢)، بل ولم ينازعوا الرسل في كونه سبحانه يستحق العبادة؛ لأنَّهم ما تركوا عبادة الله تعالى، بل كانت لهم


(١) أخرجه البخاري في صحيحه، بدء الوحي (١/ ٤) برقم (٣)، عن عائشة -رضي الله عنها-.
(٢) اعتقادهم لربوبية الله تعالى عمومًا لم يكن تامًا صحيحًا، بل هم في الجملة يسلمون ببعض معاني الربوبية خاصة الخلق، والملك، والإحياء، والإماتة، وغير ذلك مما ذكره الله عنهم في القرآن، وسيأتي بيان هذه المسألة بتفصيل في قاعدة مستقلة (ص ٤٥٠).