للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقول الإمام ابن القيم رَحِمَهُ الله: "لأن القبلة من خواص الدين، وأعلامه، وشعائره الظاهرة، فأهل كل دين لا يفارقون قبلتهم إلا أن يفارقوا دينهم" (١).

وإنما أمر سبحانه باستقبال جهة بعينها دون عموم الجهات؛ لأنَّه أكمل في الإقبال على مناجاة ذي الجلال (٢).

وقد بيَّن الإمام أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي بعض الحِكَم الشرعية من استقبال الكعبة بقوله: "ثم أُمِرَ أن يستقبل الكعبة، فاستقر الأمر على ذلك. أقول: السر في ذلك أنه لما كان تعظيم شعائر الله وبيوته واجبًا؛ لا سيما فيما هو أصل أركان الإسلام، وأم القربات، وأشهر شعائر الدين، وكان التوجه في الصلاة إلى ما هو مختص بالله بطلب رضا الله بالتقرب منه أجمع للخاطر، وأحث على صفة الخشوع، وأقرب لحضور القلب؛ لأنَّه يشبه مواجهة الملك في مناجاته؛ اقتضت الحكمة الإلهية أن يجعل استقبال قبلة ما شرطًا في الصلاة في جميع الشرائع، وكان إبراهيم وإسماعيل عليهم السلام ومن تدين بدينهما يستقبلون الكعبة، وكان إسرائيل عليه السلام وبنوه يستقبلون بيت المقدس هذا هو الأصل المسلَّم في الشرائع" (٣).

ويقول الشيخ السعدي: "كل أهل دين وملة له وجهة يتوجه إليها في عبادته، وليس الشأن في استقبال القبلة، فإنَّه من الشرائع التي تتغير بها الأزمنة والأحوال، ويدخلها النسخ والنقل من جهة إلى جهة، ولكن الشأن كل الشأن في امتثال طاعة الله، والتقرب إليه، وطلب الزلفى عنده، فهذا هو عنوان السعادة ومنشور الولاية، وهو الذي إذا لم تتصف


(١) بدائع الفوائد (٤/ ٩٦٧).
(٢) انظر: قواعد الأحكام في مصالح الأنام، لابن عبد السلام (١/ ١٨٣).
(٣) حجة الله البالغة (ص ٤١٥).