للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (٥٩)} [الأعراف: ٥٩]، وقوله: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: ٣٦]، وقوله: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (٣)} [قريش: ٣]، والآيات في هذا الباب يصعب حصرها إلا بجهد الأنفس.

٥ - ومما يدل على معنى القاعدة قوله تعالى: {أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٣)} [البقرة: ١٣٣]، فهنا قالوا: (نعبد إلهك وإله آبائك)، ثم قالوا: (إلهًا واحدًا) فهذا بدل من الأول في أظهر الوجهين؛ فإن النكرة تبدل من المعرفة، فقالوا: (نعبد إلهك)، فعرفوه ثم قا لوا: (إلهًا واحدًا) فوصفوه، والبدل في الحكم تكرير العامل أحيانًا، فالتقدير: نعبد إلهك نعبد إلهًا واحدًا ونحن له مسلمون، فجمعوا بين الخبرين بأمرين؛ بأنهم يعبدون إلهه، وأنهم إنما يعبدون إلهًا واحدًا، فمن عَبَدَ إلهين لم يكن عابدًا لإلهه وإله آبائه، وإنما يعبد إلهه من عبد إلهًا واحدًا، ولو كان من عبد الله وعبد معه غيره عابدًا له لكانت عبادته نوعين؛ عبادة إشراك، وعبادة إخلاص (١).

٦ - أن العبادة من الألفاظ الشرعية التي جاء الشرع بتخصيصها عن مدلولها اللغوي إلى حقيقتها الشرعية، مشتملة على أركان وشروط شرعية، ومن المقرر أن الْحَقِيقَةَ الشَّرْعِيَّةَ تَنْتَفِي بِانْتِفاءِ رُكْنِهَا أَوْ شَرْطِهَا (٢)، ولا شك أن التوحيد وإفراد الله بالعبادة هو ركنها الأعظم، وأساسها الذي لا قوام لها بدونه.


(١) انظر: مجموع الفتاوى (١٦/ ٥٧٤).
(٢) انظر: البحر المحيط في أصول الفقه (١/ ٥٢٦).