للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الناس بالترك، ومرآتهم به، وأنه تركها خوفًا من الله، ومراقبة، وهو في الباطن بخلاف ذلك، فالفرق بين ترك يتقرب به إليهم ومرآتهم به، وترك يكون مصدره الحياء منهم، وخوف أذاهم له، وسقوطه من أعينهم، فهذا لا يعاقب عليه، بل قد يثاب عليه إذا كان له فيه غرض يحبه الله؛ من حفظ مقام الدعوة إلى الله، وقبولهم منه، ونحو ذلك، وقد تنازع الناس في الترك هل هو أمر وجودي أم عدمي والأكثرون على أنه وجودي" (١).

ويقول أبو العباس القرطبي: "الترك للسيئة لا يكتب حسنة إلا إذا كان خوفًا من الله أو حياءً من الله" (٢).

والمباحات كذلك لا تفتقر إلى النية في الاعتبار الشرعي، ولكن ينبغي استحضار النية فيها لتحصيل الثواب، فينوي عند الأكل، والشرب، والنوم، بأن يقصد بهم التقوي على الطاعة، وعند الجماع بأن يقصد به المعاشرة بالمعروف، والعفة، وتحصيل ولد صالح ليعبد الله، وعند عمل حرفة كالزراعة، بأن يقصد بها إقامة فرض الكفاية، ونفع المسلمين (٣).

يقول الإمام الشاطبي: "وأما الأعمال العادية وإن لم تفتقر في الخروج عن عهدتها إلى نية، فلا تكون عبادات، ولا معتبرات في الثواب، إلا مع قصد الامتثال، وإلا كانت باطلة" (٤).

فظهر بهذا أن النية الشرعية المتعلقة بأعمال العبد تدخل فيها المأمورات، والمباحات، والمحرمات، بل جميع حركات العبد وسكناته يستحب أن تكون بنية حتى يتحقق له تحصيل الأجر والثواب.

يقول الإمام ابن تيمية: "لأن النية مشروعة في جميع الواجبات


(١) شفاء العليل (ص ١٦٩ - ١٧٠).
(٢) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (١/ ٣٤٢).
(٣) انظر: غاية البيان، لمحمد بن أحمد الرملي (ص ٧) بتصرف.
(٤) الموافقات (٢/ ٣٢٩).