للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مخصوص، يقود إلى طاعة المحبوب وتعظيمه، وابتغاء مرضاته، والبعد عما يغضبه ويسخطه، ولذا يقول الإمام ابن القيم: "ولما كانت المحبة التامة ميل القلب بكليته إلى المحبوب كان ذلك الميل حاملًا على طاعته وتعظيمه، وكلما كان الميل أقوى كانت الطاعة أتم، والتعظيم أوفر، وهذا الميل يلازم الإيمان (١)، بل هو روح الإيمان ولبه، فأي شيء يكون أعلى من أمر يتضمن أن يكون الله سبحانه أحب الأشياء إلى العبد، وأولى الأشياء بالتعظيم، وأحق الأشياء بالطاعة" (٢).

وقد أكثر أهل العلم -رحمهم الله- الكلام في بيانها وشرحها وتوضيحها وتجليتها، ومع كثرة الأقوال التي قيلت فيها يرى بعض المحقِقين أنها لم تُصِبْ حقيقتها إذ ليست المحبة من الأمور المحسوسة، وإنما هي من الأمور القلبية الوجدانية التي تعلم بالذوق والوجدان.

يقول الإمام ابن القيم في معنى المحبة: "فحدها وجودها، ولا توصف المحبة بوصف أظهر من المحبة، وإنما يتكلم الناس في أسبابها وموجباتها وعلاماتها وشواهدها وثمراتها وأحكامها، فحدودهم ورسومهم دارت على هذه الستة، وتنوعت بهم العبارات، وكثرت الإشارات بحسب إدراك الشخص ومقامه وحاله وملكه للعبارة" (٣).

والسبب في ذلك أن المحبة ليست من الأمور الملموسة التي يشترك الناس في معرفتها ووصفها، ولا تكشف حقيقتها إلا بذوقها ووجودها، وفرق بين ذوق الشيء ووجوده، وبين تصوره والعلم به، فالحدود التي قيلت في المحبة صحيحة ولكنها غير وافية بحقيقتها، بل هي علامات وتنبيهات، وتجري هذه القاعدة على أسماء أخرى تشترك مع المحبة؛ كالمصيبة، والبلية، والشدة، والألم، واللذة، والفرح، والخوف، وغيرها


(١) هذا فيما يتعلق بمحبة الله سبحانه وتعالى.
(٢) مدارج السالكين (٢/ ١٨٦).
(٣) مدارج السالكين (٣/ ٩).