للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذا علامة توحيد الإلهية في هذا القلب، والباب الذي دخل إليه منه توحيد الربوبية، أي: باب توحيد الإلهية هو توحيد الربوبية، فإن أول ما يتعلق القلب يتعلق بتوحيد الربوبية، ثم يرتقي إلى توحيد الإلهية، كما يدعو الله سبحانه عباده في كتابه بهذا النوع من التوحيد إلى النوع الآخر، ويحتج عليهم به، ويقررهم به، ثم يخبر أنهم ينقضونه بشركهم به في الإلهية" (١).

فلا يحصل ولا يتحقق توحيد العبادة إلا بتحقيق توحيد الربوبية، فهو الباب والمفتاح الذي يفتح القلوب لتصل إلى هذه الغاية العظيمة، وتحقق الحكمة الشرعية من خلق الإنس والجن وهي إلهية الله تعالى وإفراده -عز وجل- بالعبادة.

ويقول الإمام ابن أبي العز الحنفي: "فإن توحيد الربوبية لا يحتاج إلى دليل؛ فإنه مركوز في الفطر، وأقرب ما ينظر فيه المرء أمر نفسه لما كان نطفة وقد خرج من بين الصلب والترائب، والترائب: عظام الصدر، ثم صارت تلك النطفة في قرار مكين في ظلمات ثلاث، وانقطع عنها تدبير الأبوين وسائر الخلائق، ولو كانت موضوعة على لوح أو طبق واجتمع حكماء العالم على أن يصوروا منها شيئًا لم يقدروا، ومحال توهم عمل الطبائع فيها؛ لأنها موات عاجزة، ولا توصف بحياة، ولن يتأتى من الموات فعل وتدبير، فإذا تفكر في ذلك وانتقال هذه النطفة من حال إلى حال علم بذلك توحيد الربوبية، فانتقل منه إلى توحيد الإلهية؛ فإنه إذا علم بالعقل أن له ربًا أوجده كيف يليق به أن يعبد غيره، وكلما تفكر وتدبر ازداد يقينًا وتوحيدًا، والله الموفق لا رب غيره، ولا إله سواه" (٢).

فذكر - رحمه الله - أن توحيد الربوبية لا يحتاج إلى دليل؛ وذلك لأنه


(١) مدارج السالكين (١/ ٤١١).
(٢) شرح العقيدة الطحاوية (ص ٢٧٤).