يراد منها أنهم إذا أقروا رتب لهم التوبيخ، والإنكار على ذلك الإقرار؛ لأن المقر بالربوبية يلزمه الإقرار بالألوهية ضرورة نحو قوله تعالى:{أَفِي اللَّهِ شَكٌّ}[إبراهيم: ١٠]، وقوله:{قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا}[الأنعام: ١٦٤]، وإن زعم بعض العلماء أن هذا استفهام إنكار؛ لأن استقراء القرآن دلَّ على أن الاستفهام المتعلِّق بالربوبية استفهام تقرير، وليس استفهام إنكار؛ لأنهم لا ينكرون الربوبية كما رأيت كثرة الآيات الدالة عليه" (١).
يقول الإمام ابن تيمية: "ولما كان علم النفوس بحاجتهم وفقرهم إلى الرب قبل علمهم بحاجتهم وفقرهم إلى الإله المعبود، وقصدهم لدفع حاجاتهم العاجلة قبل الآجلة، كان إقرارهم بالله من جهة ربوبيته أسبق من إقرارهم به من جهة ألوهيته، وكان الدعاء له، والاستعانة به، والتوكل عليه فيهم أكثر من العبادة له، والإنابة إليه.
ولهذا إنما بعث الرسل يدعونهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له، الذي هو المقصود المستلزم للإقرار بالربوبية، وقد أخبر عنهم أنهم لئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله وأنهم إذا مسهم الضر ضل من يدعون إلا إياه وقال وإذا غشيهم موج كالظلل دعوا الله مخلصين له الدين فأخبر أنهم مقرُّون بربوبيته وأنهم مخلصون له الدين إذا مسهم.
الضر في دعائهم واستعانتهم ثم يعرضون عن عبادته في حال حصول أغراضهم وكثير من المتكلمين إنما يقرون الوحدانية من جهة الربوبية وأما الرسل فهم دعوا إليها من جهة الألوهية وكذلك كثير من المتصوفة المتعبدة وأرباب الأحوال إنما توجههم إلى الله من جهة ربوبيته لما يمدهم به في الباطن من الأحوال التي بها يتصرفون وهؤلاء من جنس الملوك وقد ذم الله - عز وجل - في القرآن هذا الصنف كثيرًا فتدبر هذا فإنه تنكشف به أحوال قوم يتكلمون في الحقائق ويعملون عليها وهم لعمري