للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأعياد: "قد منعنا إحداث ما هو شعار في الدين، ومثاله ما أحدثته الروافض من عيد ثالث سموه عيد الغدير، وكذلك الاجتماع وإقامة شعاره في وقت مخصوص، على شيء مخصوص لم يثبت شرعًا، وقريب من ذلك أن تكون العبادة من جهة الشرع مرتبة على وجه مخصوص، فيريد بعض الناس أن يحدث فيها أمرًا آخر لم يرد به الشرع زاعمًا أن يدرجه تحت عموم، فهذا لا يستقيم؛ لأن الغالب على العبادات التعبد، ومأخذها التوقيف.

وهذه الصورة حيث لا يدل دليل على كراهة ذلك المحدث أو منعه؛ فأما إذا دل فهو أقوى في المنع وأظهر من الأول، ولعل مثال ذلك: ما ورد في رفع اليدين في القنوت، فإنه قد صح رفع اليد في الدعاء مطلقًا، فقال بعض الفقهاء: يرفع اليد في القنوت؛ لأنه دعاء، فيندرج تحت الدليل المقتضي لاستحباب رفع اليد في الدعاء مطلقًا، وقال غيره: يكره؛ لأن الغالب على هيئة العبادة التعبد والتوقيف، والصلاة تصان عن زيادة عمل غير مشروع فيها، فإذا لم يثبت الحديث في رفع اليد في القنوت كان الدليل الدال على صيانة الصلاة عن عمل لم يشرع أخص من الدليل الدال على رفع اليد في الدعاء" (١).

فالواجب عدم الاكتفاء بالدليل العام على جواز التعبد بأمور محدثة، بل لا بد من طلب الدليل الخاص على كل عبادة بذاتها، وهذا هو المنهج الذي سار عليه سلف هذه الأمة كما هو ظاهر للمتأمل (٢).


= الفقيه، الأصولي، المحدث. له مصنفات نافعة منها: الإلمام في الحديث، والإمام شرح الإلمام، وشرح العمدة "عمدة الأحكام" للمقدسي، توفي سنة ٧٠٢ هـ. [ترجمته في: طبقات الشافعية الكبرى (٦/ ٢)، وطبقات الشافعية لابن قاضي شهبة (٢/ ٢٢٩)].
(١) إحكام الأحكام لابن دقيق العيد (١/ ١٧٢).
(٢) انظر: المرجع نفسه (١/ ١٧٣).