للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقول أيضًا: "فإن الدين أصله متابعة النبي -صلى الله عليه وسلم- وموافقته بفعل ما أمرنا به وشرعه لنا وسنَّه لنا، ونقتدي به في أفعاله التي شرع لنا الاقتداء به فيها، بخلاف ما كان من خصائصه.

فأما الفعل الذي لم يشرعه هو لنا، ولا أمرنا به، ولا فعله فعلًا سن لنا أن نتأسى به فيه، فهذا ليس من العبادات والقرب، فاتخاذ هذا قربة مخالفة له -صلى الله عليه وسلم-، وما فعله من المباحات على غير وجه التعبد يجوز لنا أن نفعله مباحًا كما فعله مباحًا، ولكن هل يشرع لنا أن نجعله عبادة وقربة؟ فيه قولان كما تقدم، وأكثر السلف والعلماء على أنا لا نجعله عبادة وقربة، بل نتبعه فيه؛ فإن فعله مباحًا فعلناه مباحًا، وإن فعله قربة فعلناه قربة، ومن جعله عبادة رأى أن ذلك من تمام التأسي به والتشبه به، ورأى أن في ذلك بركة لكونه مختصًا به نوع اختصاص" (١).

ثانيًا: يستفاد من القاعدة أن العبادة لا تكون عبادة إلا بقصد المعبود والتعبد إليه، وطلب القربة والثواب منه -سبحانه وتعالى-، إضافة إلى قصد العبادة نفسها، فالأول هو الإخلاص في العبادة، والثاني هو النية التي تتميز بها العبادات عن غيرها، وفيما بينها.

يقول الإمام ابن تيمية: "العبادة تتضمن قصد المعبود، وإرادته، وتوجه القلب إليه، وهذا أمر يحسه الإنسان من نفسه في جميع مراداته ومقصوداته ومطلوباته ومحبوباته" (٢).

ويقول الإمام ابن القيم: "فإن الإخلاص قصد المعبود وحده بالتعبد، والغافل لا قصد له فلا عبودية له" (٣).

ويقول الإمام الشاطبي: "وهكذا العبادات؛ فإن المقصود الأصلي


(١) مجموع الفتاوى (٢٧/ ٥٠٤).
(٢) بيان تلبيس الجهمية (٢/ ٤٦٦)، وانظر: درء التعارض (٥/ ١٨١).
(٣) مدارج السالكين (١/ ٥٢٧).