وحكم، تشتمل عليها، وتشرع لأجلها، وترجع إليها، وهذه الأحكام منها ما هو وسائل ومنها ما هو مقاصد؛ أما المقاصد فقد حرصت الشريعة على تبيينها، بل ونصت عليها في الغالب، وأما الوسائل فهي تابعة لأحكام مقاصدها، إن كان المقصد واجبًا كانت وسيلته التي يتوقف عليها ولا يتم بدونها واجبة، وإن كان حرامًا كانت الوسيلة محرمة، وإن كان المقصد مندوبًا أو مكروهًا أو مباحًا كانمت الوسيلة في كل ذلك حسب مقصدها.
وهذا يدل على عظمة هذه الشريعة وكمالها؛ فإنها إذا حرمت أمرًا حرمت وسائله المفضية إليه ولو كانت مظنونة؛ فإن من تمام تحريم الشيء تحريم وسائله، وسد جميع ذرائعه، وإذا أوجبت أمرًا أوجبت وسيلته التي لا يتم إلا بها؛ إذ من تمام إيجاب الشيء إيجاب جميع الأشياء التي يتوقف حصوله عليها.
يقول الإمام ابن القيم: "لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها، كانت طرقها وأسبابها تابعة لها، معتبرة بها، فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطاتها بها، ووسائل الطاعات والقربات في محبتها والإذن فيها بحسب إفضائها إلى غايتها، فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، وكلاهما مقصود، لكنه مقصود قصد الغايات، وهي مقصودة قصد الوسائل.
فإذا حرم الرب تعالى شيئًا وله طرق ووسائل تفضي إليه فإنه يحرمها، ويمنع منها؛ تحقيقًا لتحريمه، وتثبيتًا له، ومنعًا أن يقرب حماه، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضًا للتحريم، وإغراء للنفوس به، وحكمته تعالى وعلمه يأبى ذلك كل الإباء، بل سياسة ملوك الدنيا تأبى ذلك؛ فإن أحدهم إذا منع جنده أو رعيته أو أهل بيته من شيء ثم أباح لهم الطرق والأسباب والذرائع الموصلة إليه لَعُدَّ متناقضًا،