للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا هم يحزنون، والخوف يتعلق بالأفعال، والمحبة تتعلق بالذات والصفات؛ ولهذا تتضاعف محبة المؤمنين لربهم إذا دخلوا دار النعيم، ولا يلحقهم فيها خوف (١).

وهذه القاعدة بمثابة الضابط والحدّ للخوف الشركي؛ إذ فيها بيان حقيقة خوف العبادة، وكيف يفرَّق بينه وبين أنواع الخوف الأخرى، والحاصل أن الخوف إذا تلبَّس بامور معينة كان خوفًا شركيًا، ومن تلك الأمور ما يلي:

أن يقترن به اعتقاد استقلال المشيئة عند المخوف بحيث يفعل الشيء بمشيئته المستقلة عن مشيئة الله تبارك وتعالى، فالخائف يعتقد أن المَخُوفَ باستطاعته أذيته وإلحاق الضرر به متى ما شاء ذلك، ولا يثنيه عن ذلك أحد، ولذا ينزجر الخائف ويبتعد عن مساخط المخوف، ويجتهد في مراضيه.

أو أن يعتقد الخائف أن للمخوف قدرةً غيبيةً تمكنه من فعل ما يشاء، من نفع هذا، أو الإضرار بذاك، بدون أمور ظاهرة وحسية، بل هي قدرة سرية فوق طاقة البشر وعاداتهم المعروفة.

وسواء ادُّعِيَ أن ذلك كرامة للمخوف بالشفاعة، أو على سبيل الاستقلال، فهذا الخوف لا يجوز تعلقه بغير الله أصلًا؛ لأنَّه من لوازم الإلهية وخصائص الربوبية، وبهذا يكون الخائف قد وقع في شرك الربوبية الشرك المخرج من ملة الإسلام (٢).

فهذا هو الخوف الاعتقادي الشركي، أو خوف السر، وهذا النوع من الشرك محله القلب، ولذا سمي اعتقاديًا، وهو شرك أكبر؛ لأن النفع والضر إنما يكون بمشيئته وإرادته، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن (٣).


(١) مدارج السالكين لابن القيم (١/ ٥١٤).
(٢) انظر: تيسير العزيز الحميد (ص ٤٠٦).
(٣) انظر: قرة عيون الموحدين، للشيخ عبد الرحمن بن حسن (ص ١٦٧).