للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقسم رحمه الله الوقوف مع الأسباب إلى وقوف مأمور به بحيث لا يتعدى حدودها، ولا يقصر عنها؛ فيقف معها مراعاة لحدودها وأوقاتها وشرائطها، وهذا الوقوف لا تتم العبودية إلا به، "ووقوف معها بحيث يعتقد أنها هي الفاعلة المؤثرة بنفسها، وأنها تنفع وتضر بذاتها، فهذا لا يعتقده موحد، ولا يحتاج أن يحترز منه من يتكلم في المعرفة والسلوك" (١).

فاعتقاد أن السبب مؤثر بذاته، ومبدع لمسببه بانفراده أو مع الله تعالى شرك بالله تعالى، يخرج صاحبه عن ملة الإسلام.

ومما قرره الإمام ابن تيمية كثيرًا -ونسبه في مواضع إلى الغزالي وابن الجوزي-: "الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد ... " (٢).

وهذا الالتفات إذا تضمن اعتقاد التأثير الذاتي للأسباب بدون مشيئة الله كان شركًا في الربوبية مخرجًا عن ملة الإسلام، مستلزمًا للشرك في الإلهية كما سبق تقريره؛ لأنَّه لا بد من حصول الاعتماد والرجاء والخوف على هذه الأسباب وهي عبادات قلبية لا يجوز صرفها لغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله؛ وليس في المخلوقات ما يستحق هذا؛ لأن غيره سبحانه لا يستقل بفعل شيء البتة، فكل سبب لا بد له من شريك وضد، ومع هذا كله، فإن لم يسخره مسبب الأسباب لم يُسَخَّر (٣).

ويقول الإمام الشاطبي: "فالالتفات إلى المسببات بالأسباب له ثلاث مراتب؛ أحدها: أن يدخل فيها على أنه (٤) فاعل للمسبب أو مولد


(١) المصدر نفسه (٣/ ٤٧٩).
(٢) مجموع الفتاوى (٨/ ١٦٩)، وانظر: (٨/ ١٧٠)، ومنهاج السُّنَّة (٥/ ٣٦٦)، والآداب الشرعية، لابن مفلح (٢/ ٢٨٦).
(٣) انظر: شرح العقيدة الطحاوية (ص ٥٢١).
(٤) يعني: السبب.