للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا هو أصل مادة (شَفَعَ)، وعليه فمعنى الشَّفَاعَة في اللغة من الشَّفْعِ؛ كأن المَشْفُوع له كان فردًا فجعله الشَّفِيعُ شفْعًا، ولذا عرَّفها الراغب بقوله: "والشفاعة: الانضمام إلى آخر ناصرًا له وسائلًا عنه، وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى حرمة ومرتبة إلى من هو أدنى، ومنه الشفاعة في القيامة" (١).

وهذا المعنى هو حقيقة الشفاعة الشرعية الواردة في الكتاب والسُّنَّة، وبهذا عرَّفها أهل العلم، وأذكر فيما يلي بعض ما وقفت عليه من ذلك:

يقول الزبيدي: هي كلامُ الشَّفيع للمَلِكِ في حاجةٍ يسألُها لغيرِه، وَشفَع إليه في معنى طَلَبَ إليه.

وقيل: الشَّفاعة: التَّجاوُزُ عن الذُّنُوبِ والجرائم.

وقيل: الشّفاعَةُ المُطالَبةُ بوَسيلةٍ أو ذِمامٍ (٢).

وفسَّر بعض أهل اللغة الشفاعة الواردة في قول الله تبارك وتعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ ذعِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: ٢٥٥] أن الشفاعة ها هنا هي الدعاء (٣).

وقال أبو جعفر الطبري: "والشفاعة: مصدر من قول الرجل شَفَعَ لي فلان إلى فلان شفاعة: وهو طلبه إليه في قضاء حاجته، وإنما قيل للشفيع شفيع وشافع؛ لأنَّه ثَنَّى المستشفع به فصار له شفعًا، فكان ذو الحاجة قبل استشفاعه به في حاجته فردًا فصار صاحبه له فيها شافعًا، وطلبه فيه وفي حاجته شفاعة؛ ولذلك سمي الشفيع في الدار وفي الأرض شفيعًا لمصير البائع به شفعًا" (٤).


(١) المفردات في غريب القرآن (ص ٢٦٣).
(٢) انظر: تاج العروس (٢١/ ٢٨٦)، وبه قال الأزهري في تهذيب اللغة (١/ ٢٧٨).
(٣) انظر: تهذيب اللغة (١/ ٢٧٨)، وقد نقله الأزهري عن المبرد وثعلب.
(٤) تفسير الطبري (١/ ٢٦٧).