للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمقصود أنهم متفقون في أصول الدين، فدينهم جميعًا هو الإسلام لا اختلاف بينهم في ذلك، وإنما وقع الخلاف بينهم في فروع الشرائع، كما قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: ٤٨].

قال الإمام النووي: "قال جمهور العلماء: معنى الحديث أصل إيمانهم واحد وشرائعهم مختلفة، فإنهم متفقون في أصول التوحيد، وأما فروع الشرائع فوقع فيها الاختلاف وأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ودينهم واحد"؛ فالمراد به أصول التوحيد، وأصل طاعة اللَّه تعالى وإن اختلفت صفتها" (١).

ويقول أبو العباس القرطبي (٢): "وقوله: "ودينهم واحد أي: في توحيدهم، وأصول أديانهم، وطاعتهم للّه تعالى، واتباعهم لشرائعه، والقيام بالحق، كما قال تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا} الآية [الشورى: ١٣] ولم يُرِد فروع الشرائع؛ فإنَّهم مختلفون فيها كما قال تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: ٤٨] " (٣).

وقال الحافظ ابن حجر (٤): "ومعنى الحديث أن أصل دينهم واحد


(١) شرح النووي على صحيح مسلم (١٥/ ١٢٠).
(٢) هو: الإمام أحمد بن عمر بن إبراهيم بن عمر الأنصاري الأندلسي القرطبي المالكي، أبو العباس الملقب بضياء الدين وكان يعرف في بلاده بابن المزين، ولد عام ٥٧٨ هـ بقرطبة، له: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، وتلخيص صحيح مسلم، ومختصر البخاري وغيره، توفي عام ٦٥٦ هـ، ودفن بالإسكندرية. [تذكرة الحفاظ للذهبي (٤/ ١٤٣٨)، نفح الطيب للمقري (٢/ ٦١٥)].
(٣) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (٦/ ١٧٦ - ١٧٧).
(٤) هو: الإمام الحافظ الفقيه المحدث المنفرد بمعرفة الحديث وعلله، أبو الفضل شهاب الدين، أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي الكناني العسقلاني الشافعي ثم المصري، المشهور بابن حجر العسقلاني، ولد سنة ٧٧٣ هـ، ومؤلفاته يصعب حصرها منها: فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ولسان الميزان، وتهذيب "التهذيب"، وغيرها. توفي سنة ٨٥٢ هـ. [انظر ترجمته في: الضوء اللامع (٢/ ٣٦)، والبدر الطالع (١/ ٨٧)].