للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الراغب: "الظن اسم لما يحصل عن أمارة، ومتى قويت أدت إلى العلم ومتى ضعفت جدًا لم يتجاوز حد التوهم" (١).

فظن السوء بالله تعالى مع اختلاف درجاته، وكون بعضه أعظم من بعض؛ فإنه لا يجوز مطلقًا، بل هو من أعظم الذنوب التي عصي الله تبارك وتعالى بها، ولذا جاء في القرآن بيان شناعته وقبحه، وأنه من أعظم الذنوب.

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: "ولم يجيء في القرآن وعيد أعظم من وعيد من ظَنَّ به ظَنَّ السوء قال تعالى: {لِيُدْخِلَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَيُكَفِّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا (٥) وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (٦)} [الفتح: ٥، ٦]، وقال تعالى: {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٢٣)} [فصلت: ٢٣].

فهؤلاء ظنوا أنه لا يعلم بعض الجزئيات، فكيف بمن ظن أنه لا علم له، ولا سمع، ولا بصر، ولا تكلم ولا يتكلم، ولا استوى على عرشه، ولا له فعل حقيقة يدبر به الأمر، ولا له حكمة يفعل ما يفعل لأجلها، وأولئك جوزوا عليه أن لا ينصر رسوله، وأن يجعل الدائرة عليه وعلى المؤمنين" (٢).

أما إساءة الظن بالمسلمين عمومًا ففيها تفصيل؛ فإن كان ظنًا مقرونًا بدليل شرعي، وقرينة ظاهرة، فلا لوم على صاحبه، وإلا كان محرمًا منهيًا عنه، وتزيد الحرمة إن كان ظنًا بأهل الخير والصلاح والعلم والفضل.


(١) المفردات في غريب القرآن (ص ٣١٧).
(٢) الصواعق المرسلة، لابن القيم (٤/ ١٣٥٦ - ١٣٥٧).