للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معلومًا بالعقل، مستقرًا في الفطرة فلا وثوق بشيء من قضايا العقل؛ فإن هذه القضية من أجل القضايا البديهيات، وأوضح ما ركب الله في العقول والفطر، ولهذا يقول سبحانه عقيب تقرير ذلك: {أَفَلَا تَعْقِلُونَ} {أَفَلَا تَذَكَّرُونَ}، وينفي العقل عن أهل الشرك، ويخبر عنهم بأنهم يعترفون في النار أنهم لم يكونوا يسمعون، ولا يعقلون، وأنهم خرجوا عن موجب السمع والعقل، وأخبر عنهم أنهم صم بكم عمي فهم لا يعقلون، وأخبر عنهم إن سمعهم وأبصارهم وأفئدتهم لم تغن عنهم شيئًا، وهذا إنما يكون في حق من خرج عن موجب العقل الصريح، والفطرة الصحيحة، ولو لم يكن في صريح العقل ما يدل على ذلك لم يكن في قوله تعالى: {انْظُرُوا} {سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا} فائدة؛ فإنهم يقولون: عقولنا لا تدل على ذلك، وإنما هو مجرد إخبارك، فما هذا النظر والتفكر والاعتبار والسير في الأرض، وما هذه الأمثال المضروبة، والأقيسة العقلية، والشواهد العيانية، أفليس في ذلك أظهر دليل على حسن التوحيد والشكر. وقبح الشرك والكفر مستقر في العقول والفطر، معلوم لمن كان له قلب حي، وعقل سليم، وفطرة صحيحة" (١).

ويقول المقريزي: "ومن خصائص الإلهيّة العبوديّة التي لا تقوم إلّا على ساق الحب والذّل، فمن أعطاهما لغيره فقد شبّهه بالله سبحانه وتعالى في خالص حقه، وقُبح هذا مستقر في العقول والفطر، لكن لما غيّرت الشياطين فطر أكثر الخلق، واجتالتهم عن دينهم، وأمرتهم أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا، كما روى عن الله أعرف الخلق به وبخلقه، عموا عن قبح الشرك حتى ظنّوه حسنًا" (٢).

ويقول -الإمام المجدد- الشيخ محمد بن عبد الوهاب في ذكر ما


(١) مدارج السالكين، لابن القيم (٣/ ٤٩١).
(٢) تجريد التوحيد المفيد (ص ٢٦).