للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والتعظيم والمحبة والخوف والخشية وغيرها من صنوف التعبدات، وأنواع التقربات.

ثانيًا: أنه مع استقرار قبح الشرك وشناعته في العقول الصحيحة، ونفور النفوس منه بفطرتها وطبيعتها السليمة التي خلقت عليها فإن الحجة على الخلق لم تقم بمجرد ذلك، بل لا بد من بعثة الرسل، ونزول الوحي، كما قال عز وجل: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)} [الإسراء: ١٥].

يقول الشيخ الشنقيطي رحمه الله مبينًا ومقررًا لذلك: "أما وجه دلالة القرآن عليه فهو أن مقتضى القول الأول: أن ما أقام الله لهم من البراهين القطعية؛ كخلق السماوات والأرض، وما فيهما من غرائب صنع الله الدالة على أنه الرب المعبود وحده، وما ركز فيهم من الفطرة التي فطرهم عليها تقوم عليهم به الحجة، ولو لم يأتهم نذير، والآيات القرآنية مصرحة بكثرة بأن الله تعالى لا يعذب أحدًا حتى يقيم عليه الحجة بإنذار الرسل، وهو دليل على عدم الاكتفاء بما نصب من الأدلة، وما ركز من الفطرة؛ فمن ذلك قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥)} [الإسراء: ١٥] فإنه قال فيها: {حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا}، ولم يقل حتى نخلق عقولًا، وننصب أدلة، ونركز فطرة.

ومن ذلك قوله تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: ١٦٥]، فصرح بأن الذي تقوم به الحجة على الناس، وينقطع به عذرهم هو إنذار الرسل، لا نصب الأدلة والخلق على الفطرة" (١).

ويقول الإمام ابن القيم بعد أن قرر أن الشرك إنما علم قبحه بالعقل والفطرة قبل الشرع: "ولكن ههنا أمر آخر وهو أن العقاب على ترك هذا الواجب يتأخر إلى حين ورود الشرع، كما دل عليه قوله تعالى: {وَمَا كُنَّا


(١) أضواء البيان (٢/ ٤٣).