للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= أن التيمم مطهر، ولا يكون مطهرًا إلا وهورافع للحدث؛ قال تعالى: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ} (١) أي من الحدث والجنابة، أو لتستحقوا الوصف بالطهارة التي يوصف بها أهل الطاعة. ذكره القرطبي.

وأيضًا فقد بينت ذلك السنة، ففي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، الذي أصله في الصحيحين قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "جُعِلَتْ لِيَ الْأرْضُ مسْجِدًا وَطَهُورًا أَيْنَمَا أَدْرَكْتَنِي الصَّلَاةُ تَمَسَّحْتُ وَصَلَّيْتُ". أخرجه في منتقى الأخبار وقال: رواه أحمد. وقال الشوكاني في الكلام على هذا الحديث: قوله وطهورًا -بفتح الطاء- أي مطهرة. وفيه دليل على أن التراب يرفع الحدث كالماء لاشتراكهما في الطهورية. ا. هـ. منه. وقال الصنعاني في الكلام على نفس الحديث مثله. ا. هـ.

وحديث أبي ذر عند أبي داود، وأخرجه أيضًا أحمد والنسائي والدار قطني والبيهقي وابن حبان. ولفظ أبي داود: قال أبو ذر: كُنت أعزب عن الماء ومعي أهلي فتصيبني الجنابة فأصلي بغير طهور، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنصف النهار وهو في رهط من أصحابه، وهو في ظل المسجد، فقال -صلى الله عليه وسلم-: "أَبُو ذَرٍّ". فقلت: نَعَمْ. هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قال: "وَمَا أَهْلَكَكَ"؟. قُلْتُ: إِنِّي كُنْتُ أَعْزُبُ عَنِ الْمَاءِ وَمَعِي أهْلِي فتصيبني الجنابة فأصلي بغير طهور. فأمر لي -صلى الله عليه وسلم- بماءٍ. فجاءت به جارية سوداء بعُسً يتخضخض وما هو بملآن، فتسترتُ إلى بعيري فاغتسلتُ ثم جئت. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيِّبَ طَهُورٌ وَإِنْ لَمْ تَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدْتَ الْمَاءَ فَأَمِسَّهُ جِلْدَكَ". ا. هـ. ألا ترى إلى قوله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث: "إِنَّ الصَّعِيدَ الطَّيَّبَ طَهُورٌ وَإِنْ لَمْ تَجِدِ الْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ". وقد علمت أن لفظة طهور كصبور وشكور، وأن هذا البناء يأتي في العربية لما يكثر منه الفعل، وبنفس البناء استنبط مالك طهارة الماء المستعمل في حدث إذا لم يتغير أحد أوصافه، فقد شارك الصعيد الطيب الماء في هذا الوصف، فاشتركا في الوظيفة في حالة نيابته عنه. والله الموفق.

نعم قد يتقيد رفعه للحدث بالتوقيت فيقال: هو رافع للحدث حتى يوجد الماء، فإذا وجد الماء رجع المانع حتى يمس الماء البشرة. هكذا يبدو لي على قصوري. علمًا بان ما مشى عليه المصنف هنا هو مذهب الجمهور. والعلم عند الله تعالى.


(١) سورة المائدة: ٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>