= أم مُحِبَّة: يا أم المؤمنين، كانت لي جارية وإني بعتها من زيد بن أرقم الأنصاري بثمانمائة درهم إلى عطائه، وإنه أراد بيعها فابتعتها منه بستماثة درهم نقدًا. قالت: فأقبلت علينا فقالت: بئسما شريت وما اشتريت، فأبلغي زيدًا أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، إلا أن يتوب. فقالت لها: أرأيت إن لم آخذ منه إلا رأس مالي؟. قالت:{فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ} الآية سورة البقرة.
قال القرطبي في تفسيره: العالية هي زوج أبي إسحاق الهَمْداني الكوفي السَّبيعي أم يونس بن أبي إسحاق. قال: وهذا الحديث أخرجه مالك من رواية ابن وهب عنه في بيوع الآجال؛ فإن كان منها ما يؤدي إلى الوقوع في المحظور منع منه، وإن كان ظاهره بيعًا جائزًا. قال: وخالف مالكًا في هذا الأصل جمهور الفقهاء وقالوا: الأحكام مبنية على الظاهر لا على الظنون.
قال القرطبي: ودليلنا القول بسد الذرائع، فإن سُلِّم وإلا استدللنا على صحته. وهذا الحديث نص، ولا تقور عائشة: أبلغي زيدًا أنه قد أبطل جهاده إلا أن يتوب، إلا بتوقيف. وفي صحيح مسلم عن النعمان بن يشير قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقول:"إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَالْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبْينَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ في الشُّبُهَاتِ وَقَعَ في الْحَرامِ كَالرَّاعِيِ يرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، أَلَا وَإنَّ لِكَلِّ مَلِكٍ حِمىَّ ألَا وَإنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُةُ". وجه دلالته أنه منع من الإِقدام على المشتبهات مخافة الوقوع في المحرمات، وذلك سدٌّ للذريعة. وقال عليه الصلاة والسلام:"مِنَ الْكَبَائِرِ شَتْمُ الرَّجُلِ وَالِدَيْهِ". قالوا: وكيف يشتم الرجل والديه؟! قال:"يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاة، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ". فجعل التعريض لسب الآباء كسب الآباء. قال: واتفق العلماء على منع الجمع بين سع وسلف، وعلى تحريم قليل الخمر وإن كان لا يسكر، وعلى تحريم الخلوة بالأجنبية وإن كان عنينًا، وعلى تحريم النظر إلى وجه المرأة الشابة، إلى غير ذلك مما يكثر ويعلم على القطع والثبات أن الشرع حكم فيها بالمنع، لأنها ذرائع المحرمات. قال: والربا أحق ها حُمِيَتْ مراتعه وسُدَّت طرائقه. قال: ومن أباح هذه الأسباب فليبح حفر البئر ونصب الحبالات لهلاك المسلمين والمسلمات، وذلك لا يقوله أحد. انتهى منه. =