خلافًا شاذًا لا يعتد به، ولا يؤيه له. قال ابن القيم عليه رحمة الله: فهذه أربعة أحاديث تبين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حرم العينة: حديث ابن عمر، الذي فيه تغليظ العينة، وحديث أنس وحديث ابن عباس أنها مما حرم الله ورسوله، وحديث عائشة، وقد عمل به بعض الصحابه والسلف، وهذا حجة باتفاق الفقهاء. قال: وروى أبو داود من حديث أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:"مَنْ بَاعَ بَيْعَتَيْنِ في بَيْعَةٍ فَلَهُ أَوُكَسُهُمَا أَو الرِّبَا". قال: وقد فسره بعضهم بأن يقول: أيبيعكها بمائة إلى سنة على أن اشتريها منك بثمانين حالة؟. قال: وهذا معنى الحديث الذي لا معنى له غيره؛ وهو مطابق لقوله:"فَلَهُ أَوْكَسُهُمَا أَوِ الرِّبَا". فإنه إما أن يأخذ الثمن الزائد فيربي، أو الثمن الأول فيكون هو أوكسهما، وهو مطابق لصفقتين في صفقة؛ فإنه قد جمع صفقتي النقد: النسيئة في صفقة واحدة ومبيع واحد، وهو قد قصد بيع دراهم عاجلة بدراهم مؤجلة أكثر منها، ولا يستحق إلا رأس ماله، وهو أوكس الصفقتين، فإن أبى إلا الأكثر كان قد أخذ الربا.
قال: فتدبر مطابقة هذا التفسير لألفاظه -صلى الله عليه وسلم- وانطباقه عليها.
قال ابن القيم: فإن قيل: فما تقولون إذا لم تعد إلسلعة إليه بل رجعت إلى ثالث، هل تسمون ذلك عينة؟. فالجواب أن هذه مسالة التورق لأن المقصود منها الوَرق، وقد نص أحمد في رواية أبي داود على أنها من العينة، وأطلق عليها اسمها، وقد اختلف السلف في كراهيتها، فكان عمر بن عبد العزيز يكرهها، وكان يقول: التورق آخية الربا. ا. هـ. منه باختصار. والآخية بالمد العروة في طرف الحبل تربط به الدابة.
قلت: والتورق عند أصحابنا من العينة؛ قال القرطبي في تفسيره: فإن اشترى بحضرة طالب العينة سلعة من آخر بثمن معلوم وقبضها، ثم باعها من طالب العينة بثمن أكثر مما اشتراه إلى أجل مسمَّى، ثم باعها المشتري من بائعها الأول بالنقد بأقل من الثمن، فهذه أيضًا عينة، وهي أهون من الأولى، وهو جائز عند بعضهم.
تنبيهٌ: جرت عادة بعض البلاد الإسلامية بتوزيع وثائق بأنواع من الطعام وغيره على بعض أفراد الناس، فيتبايع الناس في تلك الوثاثق قبل قبضها، فأردت التنبيه هنا على أن ذلك لا يجوز، ففي الموطإ عن مالك أنه بلغه أن صكوكًا خرجت للناس في زمان مروان بن الحكم من طعام الجار، =