= ثمنها لما يرىَ من كثرة لبنها، فأذا حلبها بعد تلك الحلبة حلبة أو حلبتين عرف أن ذلك ليس بلبنها،
وهذا غرور المشتري.
وقال أبو عبيد: المُصَراةُ، الناقة، أو البقرة، أو الشاة، التي قد صُرَّيَ اللَّيَنُ في ضَرْعها، يعني حُقِنَ فيه، وجمع أيَّامًا فلم يحلب، وأصل التصرية، حبس الماء وجمعه، يقال منه: صريت الماء. ويقال: إنما سميت المصراة، كأنها مياه اجتمعت. قال أبو عبيد: لو كان من الربط لكان مصرورة، أو مصررة.
قال الخطابي: قول أبي عبيد حسنُ، وقول الشافعي صحيح، والعرب تصُر ضروع الحلوبات إذا أرسلتها تسرح، ويسمون ذلك الرباطَ: صرارًا، فإذا راحت حلت تلك الأربطة وحلبت، ومن هذا حديث أبي سعيد الخدُري: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْم الْآخِرِ أَنْ يَحُلَّ صرارَ نَاقَةٍ بِغَيْرِ إِذْنِ صَاحبِهَا، فَإِنَّهُ خَاتَمُ أَهْلِهِا عَلَيْهَا".
قال: ومن هذا الاستعمال قول عنتر: العبد لا يحسن الكَرَّ، إنما يحسن الحلب والصّر.
ومنه قول مالك بن نويرة، وكان قومه بنو يربوع جمعوا صدقاتهم ليوجهوا بها إلى أبي بكر - رضي الله عنه -، فمنعهم من ذلك ورد على كل رجل منهم صدقته، وقال: أنا جنة لكم مما تكرهون، وأنشأ يقول:
وقلت خذوها هذه صدقاتكم … مصرَّرة أخلافها لم تُجدَّد
سأجعل نفسي دون ما تجدونه … وأرهنكم يومًا بما قلته، يدي
قال الخطابي: وقد يحتمل أن نكون المصراة: أصله: المصرورة، أبدل احدى الراءين ياء كقولهم: تقضَّى البازي، وأصله تقضض، كرهوا اجتماع ثلاثة أحرف من جنس واحد في كلمة واحدة فأبدلوا حرفًا منها بحرف آخر ليس من جنسها، قال العجاج:
تَقَضَّيَ الْبَازِي إذا البازي كَسَرْ
قال: ومن هذا الباب قوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} الآية. أي أخملها بمنع الخير، وأصله: من دسَّسَهَا، ومثل هذا في الكلام كثير. =