للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= قال: وقد اختلف الناس في حكم المصراة؛ فذهب جماعة من الفقهاء إلى أنه يردها ويرد معها صاعًا من تمر، قولًا بظاهر الحديث؛ وهو قول مالك، والشافعي، والليث بن سعد، وأحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وأبي عبيد وأبي ثور. وقال أبو يوسف وابن أبي ليلى: يرد قيمة اللبن.

وقال أبو حنيفة: إذا حلب الشاة فليس له أن يردها، ولكن يرجع على البائع بأرشها ويمسكها، واحتج بأنه خبر مخالف للأصول؛ لأن فيه تقويم المتلف بغير النقود، وفيه إبطال رد المثل فيما له مثل، وفيه تقويم القليل والكثير من اللبن بقيمة واحدة، وبمقدار واحد. واحتج أهل هذا القول أيضًا بحديث: "الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ".

قال الخطابي: والجواب عن هذا: أن الأصل أن الحديث إذا ثبت عن رسول اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وجب القول به، وصار أصلًا في نفسه، وعلينا قبول الشريعة المبهمة، كما علينا قبول الشريعة المفسرة، والأصول إنما صارت أصولًا لمجيء الشريعة بها، وخبر المصراة قد جاء به الشرع من طرق جياد أشهرها هذا الطريق، فالقول به واجب، وليس تركه لسائر الأصول أولى من تركها له.

قال: على أن تقويم المتلف بغير النقد موجود في بعض الأصول. منها: الدية في النفس مائة من الإِبل، ومنها: الغرة في الجنين. وقد جاء أيضًا تقويم القليل والكثير بالقيمة الواحدة؛ كأرش الموضحة مثلًا، فإنها ربما أخذت أكثر من مساحة الرأس، فيكون فيها خمسٌ من الإِبل، وربما كانت قدر الأنملة فيجب الخمس من الإِبل سواء. وكذلك الدية في الأصابع على اختلاف مقادير جمالها ومنفعتها، وجاءت السنة بالتسوية بين دية اللسان، والعينين، واليدين والرجلين. وأصحاب الرأي يوجبون في الحاجبين الدية، فأين منافع الحاجبين من اللسان واليدين والرجلين؟!

فكيف يجوز رد سنة ثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من أجل أن بينها وبين بعض السنن مخالفة في بعض أحكامها؟. إنَّ أصحاب الرأي يقولون بخبر الوضوء بالنبيذ، وبخبر نقض الرضوء بالقهقهة في الصلاة، وهما خبران ضعيفان عند أهل المعرفة بالحديث، فكيف، إذًا يردون الخبر الصحيح بأنه خبر مخالف للأصول؟!

قال الخطابي: وأما احتجاجهم بحديث: "الْخَرَاجُ بِالضَّمَانِ" فإن هذا الحديث مخرجه مخرج =

<<  <  ج: ص:  >  >>