= وبن العاص أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:"يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُل ذَنْبٍ إلا الدَّيْنَ". إلى غير ذلك مما ورد في التشديد في الدين.
قال الحطاب: يحتمل أن تكون هذه الآثار واردة فيمن تداين في سرف أو فساد غير مباح، أو تداين وهو يعلم أن ذمته لا تفي بما تداين به، لأنه متى فعل ذلك فقد قصد استهلاك أموال الناس. وقيل أيضًا: إن هذا التشديد كله إنما كان من النبي -صلى الله عليه وسلم- في الديْن قبل فرض الزكاة ونزول آية الفيء والخمس.
الثانية: كل من ادَّان في مباح، وهو يعلم أن ذمته تفي بما ادَّان به، فإن غلبه الدين فلم يقدر على قضائه حتى توفي، كان على الِإمام أن يؤدي ذلك عنه من بيت مال المسلمين أو من الزكاة من سهم الغارمين، أو من الصدقات إن كان ممن يرى جواز جعل الزكاة كلها في صنف واحد من الثمانية كمالك مثلًا، أو يؤديه عنه من الفيء إن كان ممن يرىَ عدم جواز تأدية دين الميت من الزكاة. الثالثة: واجب على من كان عليه دين أن يوصي بأدائه، فإذا فعل وترك وفاء، فليس يحبس عن الحنة يدينه ذلك، وكذا إن لم يترك وفاء، وعلى الإِمام وفاؤه، فإن لم يفعل فهو المسئول عن ذلك إذا لم يقدر على أدائه في حياته وأوصى به، وقد قال في التمهيد: الدين الذي يحبس به صاحبه عن الجنة -والله أعلم- هو الذي ترك صاحبه وفاء به ولم يوص به، أو قدر على وفائه في حياته فلم يوف، أو ادًان به في غير حق أو في سرف، أو مات ولم يوص به، وأمَّا من ادَّان في حق واجب لفاقته وعسره ولم يترك وفاء، فإن الله لا يحبسه به عن الجنة؛ لأن السلطان فرض عليه أن يؤدى عنه دينه من جملة الصدقات، أو من سهم الغارمين أو من الفيء الراجع على المسلمين من صنوف الفيء والله أعلم.
قال: ونقل الإِبي عن عياض في شرح قوله -صلى الله عليه وسلم-: "ومَنْ تَرَكَ دَيْنًا أوْ ضَيَاعًا فَعَلَيَّ وإِلَيَّ". أي: فعليّ قضاء دينه وإِلَيَّ كفالة عياله. وهذا مما يلزم الأئمة في مال الله؛ فينفق منه على الذرية وأهل الحاجة ويقضي ديونهم. ذكره في أحاديث الجمعة من كتاب الصلاة من شرح مسلم. ا. هـ.
قال: وقال في الذخيرة: والأحاديث الواردة في الحبس عن الجنة في الدين منسوخة بما جعله =