= قال الحطاب: وظاهر ذلك الإِطلاق، سواء كان يعلم براءته أم لا. قال: والأصل في هذا أن الصحابة رضي الله عنهم، منهم من افتدى ومنهم من حلف. وقال الدسوقي: قوله: ولو علم براءة نفسه -يعني الدردير- رد بذلك على ابن هشام الخضراوي في قوله: إن علم براءة نفسه وجبت اليمين، ولا يجوز له أن يصالح لأربعة أمور: منها أن فيه إذلال نفسه، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَذَلَّ نَفْسَهُ أَذَلَّهُ اللهُ". ومنها ان فيه إضاعة المال، ومنها أن فيه إغراءً للغير، ومنها أن فيه إطعام ما لا يحل.
قال: ورد قوله بأن ترك اليمبن وترك الخصام عز لا إذلال، وحينئذ فبذل المال فيه ليس إضاعة له لأنه لمصلحة، وأما أكل الغير الحرام فلا، سبيل على المظلوم فيه {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ}(١). انتهى منه.
(٢) وقوله: أو السكوت أو الإِنكار، قال ابن قدامة في المغني: الصلح على الإِنكار صحيح. وبه قال مالك وأبو حنيفة. وقال الشافعي: لا يصح؛ لأنه عاوض على ما لم يثبت له فلم تصح المعاوضة؛ كما لو باع مال غيره.
قال: ولنا عموم قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الصُّلْحُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ جَائِزٌ". فيدخل هذا في عمومه، إلى أن قال: وإذا كان المدعي معتقدًا أنما ادَّعاه حق، والمدعى عليه يعتقد أنه لا حق عليه، فيدفع إلى المدعي شيئًا افتداءً ليمينه، وقطعًا للخصومة وصيانة لنفسه من التبذل وحضور مجلس الحاكم، فإن ذوي النفوس الشريفة والمروءة يصعب عليهم ذلك، ويرون دفع ضرر ذلك عنهم من أعظم مصالحهم، والشرع لا يمنعهم من وقاية أنفسهم. ا. هـ. منه.
(٣) وقوله: إن جاز على دعوى كل وعلى ظاهر الحكم، يريد به، والله تعالى أعلم، أن الصلح يشترط فيه أن يكون جائزًا على دعوى المدعي، وعلى دعوى المدعى عليه، وعلى ظاهر الحكم. قال الدسوقي: والحق أن هذه الشروط إنما هي معتبرة في الصلح على الإنكار، وأما الصلح على السكوت فإن المشترط فيه إنما هو جوازه على دعوى المدعي.
قال: والمراد بقوله: وعلى ظاهر الحكم، كونه جائزًا على ما ظهر من الأحكام الشرعية، أي بأن