= عبد الله بن كعب بن مالك أن كعب بن مالك أخبره أنه تقاضى ابن أبي حدرد دينًا كان له عليه في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المسجد، فارتفعت أصواتهما حتى سمعها رسول -صلى الله عليه وسلم- وهو في بيته، فخرج إليهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى كشف سجف حجرته، ونادى كعب بن مالك فقال:"يَا كَعْبُ"! فقال: لبيك يا رسول الله. فأشار بيده أنْ ضع الشطر من دينك. قال كعب: قد فعلت يا رسول الله. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قُمْ فَاقْضِهِ".
قال البغوي: هذا حديث متفق على صحته، وفيه دليل على أن لصاحب الحق ملازمة الغريم، واقتضاء الحق منه في المسجد، وأن للقاضي أن يصلح بين الخصمين، وأن الصلح على حط بعض الحق جائز. ا. هـ. منه.
وقال ابن قدامة في المغني: إذا كان للرجل على الرجل دين ليس عنده وفاء، فوضع عنه بعض حقه وأخذ منه الباقي، كان ذلك جائزًا لهما. ولو فعل ذلك قاضٍ لم يكن عليه في ذلك إثم، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- كلم غرماء جابر ليضعوا عنه، فوضعوا عنه الشطر. قال: وفي الذي أصيب في حديقته، فمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو ملزوم- فأشار إلى غرمائه بالنصف، فأخذوه منه، ا هـ. منه.
قلت: إن الوارد في قصة دين والد جابر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كلم غرماء جابر أن يقبلوا ثمر حائطه ويحللوا أباه، فأبوا، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في ثمر الحائط بالبركة، فجد جابر حائطه وقضاهم من ثمرها وبقيت له بقية. فقد أخرج البيهقي في السنن بسنده عن يونس عن ابن شهاب قال: وحدثني ابن مالك أن جابر بن عبد الله أخبره أن أباه قتل يوم أحد شهيدًا، وعليه دين، فاشتد الغرماء في حقوقهم، قال جابر: فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فكلمته، فسألهم أن يقبلوا ثمر حائطي ويحللوا أبي فأبوا، فلم يعطهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حائطي، ولم يكسره لهم، ولكن قال:"سَأَغْدُو عَلَيْكَ". فغدا علينا حين أصبح، فطاف في النخل ودعا في ثمرها بالبركة، قال: فجددتها فقضيتهم حقوقهم وبقيت لنا من ثمرها بقية، فجئت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأخبرته بذلك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعمر وهو جالس عنده:"أَسَمِعَ عُمَرُ مَا يَقُولُ"؟. قال عمر رضي الله عنه: ألا يكون قد علمنا أنك رسول الله، إنك لرسول الله.
(١) وقوله وعلى الافتداء من يمين، تبع في ذلك المدونة، ففيها. ومن لزمته يميمت فأفتدى منها بمال جاز ذلك. =