للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= لغيرهن، ألا ترى إلى قوله تعالى: {يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ} (١). الآية.

قال ابن القيم في تهذيب السنن: وأما أمر سودة -وهي أخته- بالاحتجاب منه. فإنه يدل على أصل، وهو تبعيض أحكام النسب، فيكون أخاها في التحريم والميراث وغيره، ولا يكون أخاها في المحرمية والخلوة والنظر إليها. لمعارضة الشبه للفراش، فأعطى الفراش حكمه من ثبوت الحرمة وغيرها، وأعطى الشبه حكمه من عدم ثبوت المحرمية لسودة، وهذا الباب من دقيق الشرع وأسراره، قال: ومن نبا فهمه عن هذا، وغلظ عنه طبعهُ فلينظر إلى الولدِ من الرضاعة كيف هو اين في التحريم لا في الميراث، ولا في النفقة، ولا في الولاية، قال: وبالجملة فهذا من أسرار الفقه، ومراعاة الأوصاف التي تترتب عليها الأحكام. ا. هـ. منه بتصرف.

قلت: هذه القاعدة الفقهية عقدها الشيخ علي بن قاسم الزقاق في المنهج المنتخب بقوله:

إنْ دار فرعٌ بين أصلين وقدْ … تعذر الجمع يقدم الأسدَّ

فقوله: يقدم الأسد، أي الأكثر سدادًا واستقامة، أي أنه إن دار فرع بين أصلين يغلب الأقوى منهما دليلُا.

وأيضًا فقد تعرض الشيخ علي الزقاق في المنهج المنتخب إلى ما ذكره ابن القيم رحمه الله؛ أن من أسرار التشريع ورود حكم بين حكمين. قال في المنهج:

. . . . . . . . . . . . هل ورد … الحكمُ بَيْنَ بَيْنَ؟ كَوْنَة اعْتَقِدْ

كالبيع مع شرط يصح وبطلْ … وحكمُ زنديق وشبهه نُقِلْ

ومعناه: اختلف في ورود حكم بين حكمين؛ فأثبته أهل مذهب مالك، وهو أصل من أصولهم، ونفاه الشافعية، ويعمل بهذا الأصل عد من أثبته، في بعض صور تعارض الأدلة فيها، والحال أنه لا ترجيح، كما لو أشبه الفرع أصلين ولم يترجح أحد الشبهين. ومثلوا له بالبيع مع شرط حيث يحكم بصحة البيع وبطلان الشرط في مسائل، فإنه حكم ببطلان وصحة، والعقد واحد؛ ومثلوا له أيضًا بمسألة الزنديق؛ فإنه يقتل لما أبطن من الكفر، ويرث لما أظهر من الإِيمان، فلم يتمحض فيه حكم الكفر ولا


(١) سورة الأحزاب: ٣٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>