= وأما الإِجماع: فقال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على إثبات الشفعة للشريك الذي لم يقاسم، فيما بيع من أرض، أو دار، أو حائط.
والمعنى في ذلك أن أحد الشريكين إذا أراد أن يبيع نصيبه، وتمكن من بيعه لشريكه، وتخليصه مما كان بصدده؛ من توقع الخلاص والاستخلاص، فالذي يقتضيه حسنُ العِشرة أن يبيعه منه، ليصل إلى غرضه من بيع نصيبه، وتخليص شريكه من الضرر، فإذا لم يفعل ذلك، وباعه لأجنبىِ، سلَّط الشرع الشريك على صرف ذلك إلى نفسه، ولا نعلم أحدًا خالف في هذا إلَّا الأصم.
(١) قوله: الشفعة أخذ شريك، اعلم أنه اتفق أهل العلم على ثبوت الشفعة للشريك في الربع المنقسم، إذا باع أحد الشركاء نصيبه قبل القسمة، فللباقين أخذه بالشفعة بمثل الثمن الذي وقع عليه البيع، وإن باع بشيء مقوم من ثوب أو عبد، أخذه بقيمة ما باعه به.
وحيث إن الشفعة ثبتت على خلاف الأصل من حيث إنها انتزاع ملك المشترىِ بغير رضاء منه، وبإجبار له على المعاوضة، فإنها لا تثبت إلا بشروط هي:
أولًا: أن تكون للشريك المقاسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة. فأما الجار غير الشريك فلا شفعة له، وبهذا قال عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان رضي الله عنهما، وعمر بن عبد العزيز، وسعيد بن المسيب، وسليمان بن يسار، والزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأبو الزناد، وربيعة بن أبي عبد الرحمن، والمغيرة، وهو مذهب مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد. وإسحاق بن راهويه، وأبي ثور، وابن المنذر.
وخالف في هذا الشرط جماعة من أهل العلم. منهم ابن سيرين، والثوري، وابن المبارك وابن أبي ليلى، وأبو حنيفة، فقد قال هؤلاء بثبوت الشفعة بالجوار وقالوا: الشريك مقدم عليه. واحتجوا بما رواه عمرو بن الشريد عن أبي رافع يبلغ به النبي -صلى الله عليه وسلم-: قال: "الْجَارُ أَحَق بِسَقَبِهِ". صحيح رواه البخاري، والسَّقَبُ: القرب -بالسين وبالصاد- يحتمل أن معناه أحق بالبر والمعونة لحديث عائشة قلت: يا رسول الله، إن لي جارين فإلى أيهما أهدي؟ قال:"إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا".
ويحتمل أن يكون المراد منه الشفعة، كما ذكروا، غير أن هذا الحديث روي عن عبد الملك بن سليمان، عن عطاء، عن جابر قال: قال ق سول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الْجَارُ أَحَقُ بِشُفْعَةِ جَارهِ يَنْتَظِرُ بِهَا وَإنْ كَانَ غَائِبًا، إِذَا كَانَ طَرِيقُهُمَا وَاحِدًا". =