للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

كتاب الأحباس

الحُبُسُ لغة حقيقته الحبْسُ، وشرْعًا: هو حبر عين لمن يستوفي منافعها على التأبيد. قال النووي: وهو مما اختص به المسلمون. قال الشافعي رحمه الله: لم يحبس أهل الجاهلية فيما علمته دارًا ولا أرضًا تبررًا بحبسها، وإنما حبس أهل الإِسلام.

والحبس حكمه الجواز خلافًا لأبي حنيفة. وقال شريح: لا حبر على فرائض الله. يريد به أن من حبس شيئًا يورث عنه. قال مالك: إنما تكلم شريح ببلده، ولم يرد المدينة فيرى أحباس الصحابة. قال: وينبغي للمرء أن لا يتكلم فيما لم يحط به خبرًا. ا. هـ. المواق.

قال ابن قدامة: وهو مستحب، والأصل فيه ما روى عبد الله بن عمر قال: أصاب عمر أرضًا بخيبر، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - يستأمره فيها، فقال: يا رسول الله، إنِّي أصبت أرضًا بخيبر لم أصب قط مالًا أنفس عندي منها، فما تأمرني فيها؟ فقال: "إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وتَصَدَّقْتَ بِهَا، غَيْر أنَّهُ لَا يُبَاعُ أَصْلُهَا، ولا يُبْتَاعُ، ولَا يُوهَبُ، ولَا يُورَثُ". قال: فتصدق بها عمر على الفقراء، وذوي القربى، والرقاب، وابن السبيل، والضيف، لا جناح على من وليها أن يأكل منها، أو يطعم صديقًا بالمعروف غير متأثل فيه أو غير متمول فيه. متفق عليه.

وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إذا مات ابنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَملُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْعِلْم يُنْتَفَعُ بِهِ مِنْ بَعْدِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالحٍ يَدْعُو لَهُ". قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وأكثر أهل العلم من السلف ومن بعدهم على القول بصحة الوقف. قال جابر: لم يكن أحد من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ذو مقدرة إلا وقف. وقال الترمذي: العمل على صحة الوقف عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم، لا نعلم بين أحد من المتقدمين منهم في ذلك اختلافًا.

وقال الحميدي: تصدق أبو بكر رضي الله عنه بداره على ولده، وعمر بربعه عند المروة على ولده، وعثمان ببئر رومةَ، وتصدق عليّ بأرضه بينبع، وتصدق الزبير بداره بمكة وبداره بمصر وأمواله بالمدينة على ولده، وتصدق سعد بداره بالمدينة وداره بمصر على ولده، وتصدق حكيم بن حزام بداره بمكة والمدينة على ولده، وتصدق عمرو بن العاص بالوهط (١) وبداره بمكة على ولده، قال: فذلك كله إلى =


(١) الوهط بستان له بالطائف يبالغ المؤرخون فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>