هذا وقد اختلف العُلماء في الأقارب، فقال أبو حنيفة: القرابة كل ذي رحم محرم من قبل الأب أو الأم، ولكن يبدأ بقرابة الأب قبل الأم. وقال الشافعية: القريب من اجتمع في النسب سواء قرب أم بعُد، مسلمًا كان أو كافرًا، غنيًا أو فقيرًا، ذكرًا أو أنثى، وارثًا أو غير وارث، محرمًا أو غير محرم. وقال أحمد في القرابة مثل الشافعية إلا أنه أخرج الكافر، وفي رواية أخرى له: القريب هو كل من يجمعه مع الموصي الأب الرابع إلى ما هو أسفل منه. وقال مالك يختص بالعصبة سواء كان يرثه أو لا، ويبدأ بفقرائهم ثم يعطي الأغناء. هكذا في الفتح.
قلت: ومن يقول القرابة المحصبة، يتأيد قوله ذلك بقسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهم ذوي القربى لبني هاشم وبني المطلب، وعلل إعطاءه بني المطلب بعدم الفرقة مع بني هاشم؛ جاهلية ولا إسلامًا، ولو كان الصرف لهم بالقرابة لما اختصوا بذلك دون بني عبد شمس وبني نوفل، إذ الكل يجتمع في عبد مناف. ويتأيد كذلك بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما نزل قوله تعالى:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}(١). دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشًا، فعم وخص فقال:"يَا بَني كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَني مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَني عَبْدِ شَمْسٍ أَنْقِذَوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بَني عَبْدِ مَنَافٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ، يَا بِنَي هَاشِمٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النًارِ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمطلِبِ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ". الحديث، وفيه دليل على أن جميع من ناداهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يطلق عليهم لفظ الأقربين، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك ممتثلًا لقوله تعالى:{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}. وفي الحديث دليل أيضًا على دخول النساء في الأقربين لذكره - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث لفاطمة بنت محمد، وذكره في رواية للبخاري من حديث أبي هريرة لعمته صفية رضي الله عنها. ا. هـ. وبالله تعالى التوفيق.
(٣) وقوله: والملك للواقف، قال الموات: قال ابن عرفة: صرح الباجي ببقاء ملك المحبس على محبِّسه، وهو لازم تزكية الأحباس على ملك محبسها، فقول اللخمي: الحبس يسقط ملك المحبس غلط. قال الحطاب: ظاهره حتى في المساجد، ونقل القرافي الإِجماع على أن المساجد ارتفع عنها الملك، قال: وهو خلاف ما حكاه أول الحبس من النوادر أن المساجد باقية أيضًا على ملك محبسها، والله أعلم. =