للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= فرجلٌ جار متعمدًا، فهو في النار، ورجل اجتهد فأخطأ، فهو في النار، وأمَّا الذي في الجنَّة، فرجل اجتهد فأصاب الحق، فهو في الجنة، قال قتادة: فقلت لأبي العالية: ما ذنب هذا الذي اجتهد فأخطأ؟. قال: ذنبه ألا يكون قاضيًا إذْ لم يعلم. قال البغوي: قوله: اجتهد فأخطأ فهو في النار، أراد به من كان اجتهاده عن غير علم، فأما من كان من أهل الاجتهاد فالخطأ فيه عنه موضوع، والدليل ما روي مرفوعًا عن بريدة عن أبيه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ: وَاحِدٌ فِي الْجَنَّةِ، وَاثْنَانِ فِي النَّارِ، فَأَمَّا الذِي فِي الْجَنَّةِ، فَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فَقَضَى بهِ، وَرَجُلٌ عَرَفَ الْحَقَّ فجَارَ فِي الْحُكْم فِي النَّار، وَرَجُلٌ قَضَى لِلنَّاسَ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ".

ومن الأحاديث التي تخوف من تولي القضاء ما روته عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَاعَةٌ يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ قَطّ". أخرجه أحمد.

وعن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "مَا مِنْ حَكَمٍ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ إِلَّا حُبِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَلَكٌ آخذٌ بِقَفَاهُ حَتَّى يَقِفَ إلَى جَهَنَّمَ ثُمَّ يَرْفَعُ رَأسَهُ إِلَى اللْهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنْ قَالَ: أَلْقِهِ، ألقاهُ في مَهْوىً، فَهَوَى أَرْبَعِينَ خَرِيفًا". أخرجه أحمد. لذلك فإن طريق السلف الامتناع منه والتوقي، فقد أراد عثمان أن يولي ابن عمر القضاء فأبى عنه. وحلف المنصور لأبي حنيفة ليلين القضاء، فحلف أبو حنيفة أنه لا يلي القضاء، فقال الوزير: الخليفة قد حلف. فقال النعمان رحمه الله: وأنا حلفت، والخليفة أقدر على الكفارة مني.

ونقل الحطاب: روي أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عامله بالبصرة عدي بن أرطاة أن اجمع بين إياس بن معاوية والقاسم بن ربيعة، فول القضاء أنفذهما. فجمع عدي بينهما وقال لهما ما عهد به عمر إليه، فقال إياس: سل عنا فقيهي البصرة؛ الحسن وابن سيرين - وكان القاسم يأتي الحسن وابن سيرين، وإياس لا يأتيهما - فعلم القاسم أنه إن سألهما أشارا إليه، فقال له القاسم: لا تسألهما عني ولا عنه، فوالله الذي لا إله إلا هـ وإن إياسًا أفقه مني وأعلم بالقضاء، فإن كنت كاذبًا فما عليك أن توليني وأنا كاذب، وإن كنت صادقًا فينبغي لك أن تقبل قولي، فقال إياس: إنك جئت برجل وأوقفته على شفا جهنم فنجى نفسه منها بيمين كاذبة فيستغفر الله منها، وينجو مما يخاف، فقال له عدي: أما إنك إذ فهمتها فأنت لها، فاستقضاه. ا. هـ. منه. =

<<  <  ج: ص:  >  >>