= أما تولية القضاة وبعثهم إلى الأمصار غير بلده. فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث عليًّا رضي الله عنه قاضيًا إلى اليمن، وبعث معاذ بن جبل إلى اليمن أيضًا، وقال له:"بِمَ تَحْكُمُ"؟ قال: بكتاب الله تعالى. قال:"فَإِنْ لَمْ تَجِدْ"؛ قال: فبسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. قال:"فَإِنْ لَمْ تَجِدْ"؟ قال: أَجْتَهِدُ رَأْيي. قال:"الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَهِ لِمَا يرُضي رَسُولَ اللَّهِ" - صلى الله عليه وسلم -، وأخرجه أبو داود والترمذي عن معاذ.
وبعث عمر شريحًا على قضاء الكوفة، وكعب بن سوار على قضاء البصرة، وكتب إلى أبي عبيدة ومعاذ يأمرهما بتولي القضاء في الشام، لأن أهل كل بلد يحتاجون إلى القاضي ولا يستطيعون الذهاب إلى بلد الإِمام، ومن استطاع منهم ذلك شق عليه، فوجب إغناؤهم عن ذلك.
أما في بلد الإِمام فإنه لا ينبغي أن يتولى القضاء غيره، وإذا أمكن من أمراء الأمصار، فلا ينبغي أن يتولى القضاء غيرهم، لما كتب به عمر لأبي موسى الأشعري أن لا يقضي إلَّا أمير، فإنه أهيب للظالم، ولشاهد الزور.
وقال عمر لابن مسعود: أما بلغني أنك تقضي ولست بأمير؟ قال: بلى، قال: فولِّ حارَّها من تولى قارَّها. ذكره البغوي في شرحِ السنة، وهو في مصنف عبد الرزاق، تحت رقم ١٥٢٩٣. ا. هـ.
وإذا جلس القاضي في مجلسه، فإنه ينبغي أن يكون أول ما ينظر فيه أمر المحبوسين، لأن الحبس عذاب، وربما كان في المحبوسين من لا يستحق البقاء فيه، فمن واجبه أن يبعث ثقة إلى السجن يكتب له اسم كل محبوس وفيم حبس، ويأمر مناديًا في البلد: إن القاضي فلان بن فلان سوف ينظر في أمر المحبوسين يوم كذا وكذا، فمن له محبوس من أجل دعواه عليه فليحضر، فإذا حضر الناس في اليوم المذكور مد يده إلى الرقاع التي فيها أسماء المساجين، فمن وقعت رقعته في يده، قال: من خصم فلان بن فلان المحبوس؟ فإذا قال خصمه: أنا، بعث معه ثقة إلى الحبس فيخرج خصمه ويحضر معه مجلس القضاء، يفعل ذلك بأفراد يعلم أنه يتسع زمنه للنظر في معاملاتهم، فإذا حذر المحبوس، سأله: بمَ حُبستَ. ويقضي في مسائل المحبوسين على حسب ما يراه شرعًا في ذلك.
ثم ينظر في أمر الأوصياء على اليتامى والمجانين ونحو ذلك، فإذا قدم إليه الوصي، فإن كان القاضي قبله نفذ وصيته، لم يعزله، هذا لأن القاضي ما نفذ وصيته إلا وقد عرف أهليته في الظاهر، وإن =