= به من الفقهاء، وإنما قال أكثر العُلماء: دية الخطإ أخماس، كذا قال أصحاب الرأي، والثوري، وكذلك مالك وابن سيرين، وأحمد بن حنبل، إلا أنهم اختلفوا في الأوصاف؛ فقال أصحاب الرأي وأحمد: خمس بنو مخاض، وخمس بنات مخاض، وخمس بنات لبون، وخمس حقاق، وخمس جذاع. وروي هذا القول عن ابن مسعود. وقال مالك والشافعي: خمس حقاق، وخمس جذاع، وخمس بنات لبون، وخمس بنات مخاض، وخمس بنو لبون. وحكي هذا القول عن عمر بن عبد العزيز وسليمان بن يسار والزهري، وربيعة، والليث بن سعد. قال الخطابي: ولأصحاب الرأي فيه أثر إلا أن راويه عبد الله بن خِشْفِ بن مالك وهو مجهول لا يعرف إلا بهذا الحديث، وعدل الشافعي عن القول به لما ذكرنا من العلة في راويه، ولأن فيه بني مخاض، ولا مدخل لبني مخاض في شيء من أسنان الصدقات. وروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه ودى قتيل خيبر مائة من إبل الصدقة، وليس في أسنان الصدقة ابن مخاض. قال أبو عمر: وقد روى زيد بن جبير عن خشف بن مالك عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل الدية في الخطإ أخماسًا، إلا أن هذا لم يرفعه إلا خشف بن مالك الكوفي الطائي وهو مجهول، لأنه لم يرو عنه إلا زيد بن جبير بن حرمل الطائي من بني جشم بن معاوية، أحد ثقات الكوفيين. ثم أطنب فيما حاصله طرح حديث خشف بن مالك.
قال: وروى حماد بن سلمة: حدثنا سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أبي عبيدة، أن ابن مسعود قال: دية الخطإ خمسة أخماس: عشرون حقة، وعشرون جذعة، وعشرون بنات مخاض، وعشرون بنات لبون، وعشرون بنو لبون ذكور، قال الدَّارقُطْنِي: هذا إسناد حسن، ورواته ثقات. وقد روي عن علقمة عن عبد الله نحو هذا. قال القرطبي: وهذا مذهب مالك والشافعي؛ أن الدية تكون مخمسة. وقال: قد ذكرنا عن ابن مسعود ما يوافق ما صار إليه مالك والشافعي. قال أبو عمر: وأسنان الإبل في الديات لم تؤخذ قياسًا ولا نظرًا، وإنما أخذت اتباعًا وتسليمًا، وما أخذ من جهة الأثر فلا مدخل فيه للنظر، فكل يقول بما صح عنده عن سلفه رضي الله عنهم أجمعين.
وقال أبو عبد الله القرطبي: ثبتت الأخبار عن النبيِّ المختار محمد - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى بدية الخطإ على العاقلة، وأجمع أهل العلم على القول به، قال: وفي إجماعهم على أن الدية في الخطإ على العاقلة، دليل على أن المراد بقوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي رمْثة حيث دخل عليه ومعه ابنه: "إنَّهُ لَا يَجْنِي عَلَيْكَ وَلَا تَجْنِي =