للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= بقوله عليه السلام: "قِتَالُ الْمُومِنِ كُفْرٌ". قال القاضي أبو بكر بن العربي: هذه الآية أصل في قتال المسلمين، والعمدة في حرب المتأولين، وعليها عول الصحابة رضوان الله عليهم، وإليها لجأ الأعيان من أهل الملة، وإياها عنى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "وَيْحُ عَمَّارٍ تَقْتلُة الْفِئَة الْبَاغِيَةُ". وقوله عليه الصلاة والسلام في شأن الخوارج: "يَخْرُجُونَ عَلَى خَيْرِ فِرْقَةٍ أَوْ عَلَى حِينِ فِرْقَةٍ". قال: والرواية الأولى أصح لقوله عليه الصلاة والسلام: "تَقْتُلُهُمْ أُولَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ". وكان الذي قتلهم علي بن أبي طالب ومن كان معه. فتقرر عند علماء المسلمين، وثبت بدليل الدين أن عليًا رضي الله عنه كان إمامًا، وأن كل من خرج عليه باغٍ واجب قتاله حتى يفيء إلى أمر الله. لأن عثمان رضي الله عنه قتل والصحابة برآء من دمه، فقد منع من قتال من ثار عليه وقال: لا أكون أول من خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمته بالقتل، فصبر على البلاء، واستسلم للمحنة، وفدى بنفسه الأمة. فلما بويع عليّ طلب أهل الشام في شرط البيعة التمكن في قتلة عثمان وأخذ القود منهم، فقال لهم عليّ رضي الله عنهم: ادخلوا في البيعة واطلبوا الحق تصلوا إليه. فقالوا: لا تستحق بيعة وقتلة عثمان معك، تراهم صباح مساء. فكان عليّ في ذلك أسدٌ رأيًا وأصوب قيلًا؛ لأن عليًا لو تعاطى القود منهم لتعصبت لهم قبائل وصارت حربًا ثالثة، فانتظر بهم أن يستوثق الأمر وتنعقد البيعة، ويقع الطلب من الأولياء في مجلس الحكم فيجري القضاء بالحق.

فقوله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (١). أمر بالقتال، وهو فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، ولذلك تخلف قوم من الصحابة رضي الله عنهم عن هذه الحرب كسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمرو، ومحمد بن مسلمة. وغيرهم.

وصوّب ذلك عليّ بن أبي طالب لهم، واعتذر إليه كل واحد منهم بعذر قبله منه.

قال ابن قدامة: وجملة الأمر أن من اتفق المسلمون على إمامته وبيعته ثبتت إمامته، ووجبت معونته؛ لما ذكرنا من الحديث والإِجماع، وفي معناه من ثبتت إمامته بعهد النبي - صلى الله عليه وسلم - أو بعهد إمام قبله إليه، فإن أبا بكر ثبتت إمامته بإجماع الصحابة على بيعته، وعمر ثبتت إمامته يعهد أبي بكر إليه، وأجمع الصحابة على قبوله.

ولو خرج رجل على الإِمام فقهره وغلب الناس بسيفه حتى أقروا له وأذعنوا بطاعته وتابعوه، صار إمامًا=


(١) سورة الحجرات: ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>