للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

. . . . . . . . . . . . . . . . .

= يحرم قتاله والخروج عليه، فإن عبد الملك بن مروان خرج على ابن الزبير فقتله واستولى على البلاد وأهلها حتى بايعوه طوعًا وكرهًا فصار إمامًا يحرم الخروج عليه، وذلك لما في الخروج على الإِمام من شق عصا المسلمين، وإراقة دمائهم، وذهاب أموالهم، فإن الخارج على مثل هذا يدخل في قوله عليه الصلاة والسلام: "مَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي وَهُمْ جَمِيعٌ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ". فمن خرج على من ثبتت إمامته بأحد هذه الوجوه، باغيًا، وجب قتاله.

(٢) وقوله: فللعدل قتالهم وإن تأوَّلوا، كالكفار، يريد به، والله أعلم، فللإِمام العدل قتال أهل البغي وإن تأولوا في خروجهم عليه، والحجة في ذلك قتال الخليفة أبي بكر رضي اللهُ عنه مانعي الزكاة، وكان بعضهم متأولًا انقضاء وجوبها بموته - صلى الله عليه وسلم -، أخذًا من قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (١) وكان بعضهم متأولًا بأن إمامته رضي اللهُ عنه لم تثبت لزعمه أنه - صلى الله عليه وسلم - أوصى لعلي رضي الله عنه بالخلافة. كذا قال في جواهر الإكليل. قال: يقاتلون كقتال الكفار المحاربين للمسلمين في كونه بالسيف وبالنبل وبالمنجنيق وبالتغريق والتحريق إذا لم يكن معهم ذرية، وذلك بعد دعوتهم للدخول تحت طاعة الإمام وموافقة جماعة المسلمين.

والمعول في ذلك على قوله تعالى: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا، فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (٢) قالوا: لا يجوز قتالهم حتى يبعث إليهم من يسألهم ويكشف لهم الصَّواب، إلا أن يخاف شرهم، فلا يمكن ذلك في حقهم، فأمَّا إن أمكن تعريفهم عرفهم ذلك، وأزال ما يذكرونه من المظالم وقطع حججهم، فإن لجُّوا قاتلهم حينئذ، لأن الله تعالى في الآية بدأ بالأمر بالإصلاح قبل القتال.

وروي أن عليًا رضي الله عنه راسل أهل البصرة قبل وقعة الجمل، وأمر أصحابه أن لا يبدؤوهم بالقتال. وروى عبد الله بن شداد بن الهادي أن عليا رضي الله عنه لما اعتزله الحرورية، بعث إلهم عبد الله بن عباس فباحثهم على كتاب الله ثلاثة أيام فرجع منهم أربعة آلاف.

فإن أبوا الرجوع وعظهم وخوفهم القتال، وإنما كان ذلك، لأن المقصود كفهم ودفع شرهم، لا قتلهم، فإذا أمكن بمجرد القول كان أولى من القتال، لما فيه من الضرر بالفريقين. =


(١) سورة التوبة: ١٠٣.
(٢) سورة الحجرات: ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>