وقال الثوري وأبو حنيفة: لا يجتمع الغرم والقطع، فإن غرمها قبل القطع سقط القطع، وإن قطع قبل الغرم سقط الغرم.
وقال عطاء وابن سيرين، والشعبي، ومكحول: لا غرم على السارق إذا قطع، ووافقهم مالك في المعسر، ووافق أصحاب المذهب الأول في الموسر. واحتج من لا يرى غرمًا على السارق إذا قطع بحديث روي عن عبد الرحمن بن عوف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِذَا أُقِيمَ الْحَدُّ عَلَى السَّارِقِ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ". وهو حديث معلول تدور عليته على سعد بن إبراهيم راويه عن منصور وهو مجهول. قاله ابن المنذر، وقال ابن عبد البر: الحديث ليس بالقوي. ا. هـ. منه.
خلاصة: ذكر القرطبي: لا يجب القطع إلا بجمع أوصاف تعتبر في السارق، وفي الشيء المسروق، وفي الموضع المسروق منه، وفي صفته.
أمَّا ما يعتبر في السارق فهو خمسة أوصاف: وهي: البلوغ، والعقل، وأن يكون غير مالك للمسروق منه، وأن لا تكون له عليه ولاية، فلا يقطع العبد إن سرق من مال سيده، ولم يقطع أحدٌ بأخذ مال عبده، وسقط قطع العبد بإجماع الصحابة وبقول الخليفة عمر: غلامكم سرق متاعكم.
وأمّا ما يعتبر في الشيء المسروق، فأربعة: أن يكون مما يتمول ويمتلك ويحل بيعه، إلا الحر الصغير عند مالك وابن القاسم، وقيل لا قطع على من سرق حرًا صغيرًا. وهو قول الشافعي وأبي حنيفة لأنه ليس بمال، وقال أصحابنا: لم يقطع السارق في المال لعينه، وإنما قطع لتعلق النفوس به، وخلقها بالحر الصغير أكثر من تعلقها بالمال. وأن يكون المسروق نصابًا، وقد تقدم الكلام في النصاب. وأن لا يكون للسارق فيه ملك ولا شبهة؛ وأن يكون مما تصح سرقته؛ كالعبد الصغير والأعجمي الكبير.
وأمَّا ما يعتبر في الموضع المسروق منه، فوصف واحد وهو الحزر لمثل ذلك الشيء المسروق، وجملة القول فيه أن كل شيء له مكان معروف فمكانه حرزه، وكل شيء له حافظ فحافظه حرزه، فالدور والمنازل والحوانيت حرز لما فيها، غاب عنها أهلها أو حضروا، وكذلك بيت المال حرز لجماعة المسلمين، والسارق لا يستحق فيه شيئًا، وإن كان قبل السرقة يجوز أن يعطيه الإِمام، وإنما يتعين حق كل مسلم بالعطية. ا. هـ. منه. والتحقيق أنه ليس في ذلك إلا الاجتهاد. والله تعالى الموفق.