= (٣) وقوله: وفسخ بيعه إن لم يعتق، يريد به، والله أعلم، أنه إذا بيع المدبر فسخ بيعه إن لم يعتق، فإن أعتقه المشتري مضى بيعه وإعتاقه، ذلك أن مالك بن أنس، وأصحاب الرأي، والنخعي، والشعبي، والثوري، والأوزاعي كرهوا بيع المدبَّر، قالوا: وقد كره ابن عمر بيعه. وروي ذلك عن سعيد بن المسيب، وابن سيرين، والزهري؛ لما رواه ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"لَا يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ وَلَا يُشْتَرَى". غير أن هذا حديث في سنن الدارقطني موقوف على ابن عمر، قال الدارقطني: لم يسنده غير عبيدة بن حسان وهو ضعيف، وإنما هو من قول ابن عمر موقوف عليه.
فلا يعارض به ما رواه البخاري في صحيحه في عدة مواضع، ورواه مسلم كذلك ورواه أبو داود في العتق، والترمذي في البيوع، والنسائي، وابن ماجة، وهذا لفظه عند أبي داود. قال باب في بيع المدبَّر: حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا هشيم، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، وإسماعيل بن أبي خالد عن سلمة بن كهيل، عن عطاء، عن جابر بن عبد الله أن رجلًا أعتق غلامًا له عن دُبُر منه، ولم يكن له مال غيره، فأمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - فبيع بسبعمائة أو بتسعمائة.
وفي بعض روايات أبي داود، حدثنا جعفر بن مسافر، حدثنا بشر بن بكر، أخبرنا الأوزاعي، حدثني عطاء بن أبي رباح، حدثني جابر بن عبد الله، بهذا وزاد: وقال: يعني النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَنْتَ أَحَقٌّ بِثَمَنِهِ وَالله أَغْنَى عَنْهُ". وفي لفظ آخر: حدثنا أحمد بن حنبل، حدثنا إسماعيل عن إبراهيم، حدثنا أيوب عن أبي الزبير، عن جابر، أن رجلًا من الأنصار يقال له أبو مذكور أعتق غلامًا له يقال له يعقوب، عن دُبُر، ولم يكن له مال غيره، فدعا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: مَنْ يَشْتَرِيهِ"؟ فاشتراه نعيم بن عبد الله النحام بثمانمائة درهم، فدفعها إليه ثم قال: "إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ فقيرًا فَلْيَبْدأْ بِنَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ فَعلَى عِيَالِهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا فَضل فَعَلَى ذِي قَرَابَتِهِ، أو قال: عَلَى ذِي رَحِمِهِ، فَإِنْ كَانَ فَضْل فَههُنَا وَههُنَا". وهذا الحديث في صحيح مسلم باب: جواز بيع المدبَّر وفي النسائي في الزكاة.
ولذلك قال أحمد بن حنبل والشافعي: يباع المدبَّر إذا كان سيده فقيرًا لا يملك شيئًا، وبهذا قال إسحاق بن راهويه، وروي عن أبي أيوب وأبي خيثمة وقالا: إن باعه من غير حاجة أجزناه. ونقل جماعة عن أحمد جواز بيع المدبَّر مطلقًا في الدين وغيره، مع الحاجة وعدمها، قال ابن قدامة: وهذا هو الصحيح، وروي مثله عن عائشة وعمر بن عبد العزيز، وطاوس، ومجاهد، وهو قول الشافعي. ا. هـ. =