= قلت: فإن قال قائل: آية النساء إنما منطوقها جواز القصر في الخوف، فما بال صلاة الأمن تقصر؟!. فالجواب هو حديث يعلى بن أمية، ولفظه عند البغوي: قلت لعمر بن الخطاب: إنما قال الله سبحانه وتعالى: {أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}(١) الآية، فقد أمن الناس؟. قال عمر: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال:"صَدَقَةٌ تَصَدَّق اللهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ". قال البغوي: هذا حديث صحيح. أخرجه مسلم عن إسحاق بن إبراهيم، عن عبد الله بن ادريس، عن ابن جريج. ا. هـ.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين، وأخرجه أبو داود، باب صلاة المسافر وأخرجه الترمذي في التفسير، وأخرجه ابن ماجه؛ باب تقصير الصلاة.
(٢) وقوله: أربعة برد؛ قال البغوي: كان ابن عمر وابن عباس يقصران ويفطران في أربعة برد - وهي ستة عشر فرسخًا - ولا يريان فيما دونها. سافر ابن عمر إلى رئمٍ فقصر. قال مالك: وذلك نحو أربعة برد. وقال عطاء: قلت لابن عباس أقصر إلى عرفة؟. قال: لا. قلت إلى منى. قال: لا، ولكن إلى جدة وعسفان والطائف. ا. هـ.
وإلى هذا ذهب مالك، وأحمد، وإسحاق، وللشافعي نحو منه حيث قال: يقصر في مسيرة ليلتين قاصدتين. وقال في موضع: سته وأربعين ميلًا بالهاشمي.
تنبيه: إعلم أن مسافة القصر لم يثبت في تحديدها شيء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك اختلف أهل العلم فيها؛ فروى شعبة عن يحيى بن يزيد الهنائي قال: سألت أنس بن مالك عن قصر الصلاة، فقال أنس: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ - شك شعبة - صلى ركعتين. وهذا الحديث أخرجه مسلم في صلاة المسافرين.
وروي عن جبير بن نفير قال: خرجت مع شرحبيل بن السمط إلى قرية على رأس سبعة عشر أو ثمانية عشر ميلًا، فصلى ركعتين، فقلت له؟. فقال: رأيت عمر صلى بذي الحليفة ركعتين. فقلت له؟. فقال: إنما أفعل كما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل. وهذا الحديث أيضًا أخرجه مسلم. =