= (٢) وقوله: وتأخير سحور، هو فضيلتان؛ فضيلة السحور وفضيلة تأخيره. أما في فضل السحور، فقد قال تعالى:{وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}(١).
قال البغوي: فالخيط الأبيض بياض النهار، والخيط الأسود سواد الليل. وأخرج البغوي بسنده عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تَسَحَّرُوا فَإِنَّهُ مُبَارَكٌ". وقال: هذا حديث صحيح.
وأخرج كذلك عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:"تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً". وهذا حديث متفق عليه.
وفي صحيح مسلم عن عمرو بن العاص، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:"فَصْلُ مَا بَيْنَ صيَامِنَا وَصيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ". رواه البغوي، والترمذي، وأبو داود، والنسائي.
واستحب أهل العلم تأخير السحور، كما تقدم عند الكلام على تعجيل الفطور. قال البغوي: وروى أنس. قال زيد بن ثابت: تسحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قمنا إلى الصلاة. قلت: كم كان قدر ما بينهما؟. قال: خمسين آية. أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه. وفي مصنف عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سَحِّرْنَا يَا أَنَسُ؛ إِنِّي أُرِيدُ الصَّيَامَ فَأَطْعِمْنِي شَيْئًا". فجئته بتمر وإناء فيه ماء، بعد ما أذَّن بلال. فقال:"يَا أَنَسُ، أُنْظُرْ إِنْسَانًا يَأْكُلْ مَعِي". فدعوت زيد بن ثابت فقال: يا رسول الله، إِني شربت شربة من سويق، وأنا أريد الصيام. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وَأَنَا أُرِيدُ الصِّيَامَ". فتسحر معه. ثم صلّى النبي - صلى الله عليه وسلم - ركعتين، ثم خرج فأقيمت الصلاة. وهذا الحديث أخرجه النسائي في السنن الكبرى وابن حبان، كما نسبه إليهما الدكتور الأعظمي في تعليقه على المصنف، وعزاه للفتح جـ ٢/ ص ٣٦.
وفي المصنف كذلك عن عبد الرزاق، عن ابن عيينة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن حكيم بن جابر قال: جاء بلال إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - يتسحر فقال: الصلاة يا رسول الله. قال: فثبت كما هو يأكل. ثم أتاه فقال: الصلاة. وهو حاله. ثم أتاه الثالثة فقال: الصلاة يا رسول الله! قد والله أصبحتَ. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يَرْحَم اللهُ بِلَالًا. لَوْلَا بِلَالٌ لَرَجَوْنَا أَنْ يُرَخَّصَ لَنَا حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ". =