= والعجب كل العجب من بعض متأخري الحنابلة، الذين يحاولون الحكم على وجه المرأة بأنه عورة، أخذًا من حديث أم المؤمنين آنف الذكر الذي أخذ منه الجهابذة الأعلام جواز سدل الثوب للمحرمة، بينها وبين الرجال، فإذا جاوزوها كشفت، على أن هذا الدليل يتطرقه الاحتمال، بأنه من الأحكام التي تختص بها أمهات المؤمنين، ومعلوم أن لهن أحكامًا تخصهن، والمقرر في فن الأصول في مباحث الألفاظ، أن وقائع الأحوال إذا تطرقها الإِحتمال كساها ثوب الإِجمال، فيسقط بها الإِستدلال. على أني لا أمانع في أن الفاتنة عليها أن تستر وجهها عن الرجال على سبيل الاحتياط، كما ذهب إليه ابن خويزمنداد من أصحابنا، ومن وافقه على رأيه هذا. وقولي: على سبيل الإِحتياط؛ هو لأن الله أباح لها كشفه، وخاطب الرجال بأنهم إن صادفوا منظرًا استهواهم، فعليهم الغض من أبصارهم. كما خاطب النساء بأنهن إن أبصرن منظرًا يستهويهن، مما أبيح للرجال كشفه، فعليهن أن يغضضن من أبصارهن، وقد تقدم بعض البحث في عورة المرأة الحرة عند قول المختصر: ومع أجنبي، غير الوجه والكفين. ولعلي هنا أنقل قول جهابذة الحنابلة في وجوب كشف المحرمة وجهها. قال ابن مفلح في المبدع في شرح المقنع جـ ٣/ ص ١٦٨ ما نصه: فصل والمرأة إحرامها في وجهها، فيحرم عليها تغطيته ببرقع أو نقاب أو غيره، لما روي عن ابن عمر مرفوعًا "لَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ". رواه البخاري. وقال ابن عمر: إحرام المرأة في وجهها، وإحرام الرجل في رأسه. رواه الدَّارقُطْنِي بإسناد جيد؛ يجب عليها تغطية رأسها كله، ولا يمكنها إلا بجزء من الوجه، ولا يمكنها كف جميع وجهها إلا بجزء من الرأس، والمحافظة على ستر الرأس أولى الأنه آكد لوجوب ستره مطلقًا، وألحق أبو الفرج به الكفين. وحكاه في المبهج رواية، فإن احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريبًا منها، جاز أن تسدل الثوب فوق رأسها على وجهها، لفعل عائشة. رواه أحمد وأبو داود وغيرهما. وشرط القاضي في الساتر أن لا يصيب بشرتها، فإن أصابها ثم ارتفع بسرعة فلا شيء عليها، وإلا فدت؛ لاستدامة الستر. انتهى محل الغرض منه بلفظه.
وفي المغني لابن قدامة عند قول الخرقي: والمرأة إحرامها في وجهها، فإن احتاجت سدلت على وجهها، ما نصه: وجملة ذلك أن المرأة يحرم عليها تغطية وجهها في إحرامها، كما يحرا على الرجل تغطية رأسه، لا نعلم في هذا خلافًا، إلا ما روي عن أسماء أنها كانت تغطي وجهها وهي محرمة، ويحتمل أنها كانت تغطيه بالسدل عند الحاجة، فلا يكون اختلافًا. قال ابن المنذر. وكراهِية البرقع ثابتة =