للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= عن سعد، وابن عمر، وابن عباس وعائشة، ولا نعلم أحدًا خالف فيه. وقد روى البخاري وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "وَلَا تَنْتَقِبُ الْمَرْأَةُ وَلَا تَلْبَسُ الْقُفَّازَيْنِ". فأما إذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريبًا منها، فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها، على وجهها، روي ذلك عن عثمان، وعائشة، وبه قال عطاء، ومالك، والثوري، والشافعي، وإسحاق، ومحمد بن الحسن، ولا نعلم فيه خلافًا، وذلك لما روي عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان الركبان يمرون بنا ونحن محرمات مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فإذا حاذونا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه. رواه أبو داود والأثرم. ولأن بالمرأة حاجة إلى ستر وجهها فلم يحرم عليها ستره على الإِطلاق كالعورة. وذكر القاضي أن الثوب يكون متجافيًا عن وجهها، حيث لا يصيب البشرة، فإن أصابها ثم زال أو أزالته بسرعة فلا شيء عليها، كما لو أطارت الريح الثوب عن عورة المصلي ثم عاد بسرعة، لا تبطل الصلاة، فإن لم ترفعه مع القدرة افتدت، لأنها استدامت الستر. انتهى منه محل الغرض بلفظه.

لطيفة: إن مما يدعو إلى السخرية بهؤلاء، تقريرهم أن وجه المرأة عورة إلا في الحج والصلاة، فهل من المعقول جواز كشف العورة في الصلاة - التي يشترط في صحتها ستر العورة؟ عذيري من هؤلاء!!.

لقد تعرض لي بعضهم في دائرة الطواف، ومعي أهلي محرمة، فقال: المرأة التي معك، مرها لتغطي وجهها. فأحسنت به الظن ودعوت له بخير وقلت له: إنها محرمة. فقال لي: وإن كانت. وهددني بإخراجها من دائرة الطواف إن هي تمادت على كشف وجهها حالة إحرامها، وكأنها تطوف ببيت أبيه. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. هو حسبنا ونعم الوكيل.

والحاصل أن كون وجه الحرة غير عورة هو مذهب أبي حنيفة، ومالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل وأصحاب هؤلاء، ومن اقتدى بهم، وهو الذي تقتضيه سماحة هذا الدين الحنيف، الذي جاء بالسماحة واليسر. قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} (١). وقال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (٢). وبالله تعالى التوفيق. =


(١) سورة البقرة: ١٨٥.
(٢) سورة الحج: ٧٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>